واقع رقابة المطبوعات في ظل نشأة الليبرالية الجديدة.. تشدّد أم تهاون أم إلغاء؟
تشرين – لمى بدران:
قد نلمس أن هناك فجوة ما تتقلّص حيناً وتتوسّع أحياناً بين الكاتب ودُوْر النشر أو بين دُوْر النشر واتحاد الكتاب العرب أو حتى بين اتحاد الكتاب العرب ووزارة الإعلام مثل أن العديد من الكتّاب والأدباء يشعرون بعدم الرضا وأنه يتم استغلالهم من قبل دُوْر النشر أو أن هناك تأخيراً يحصل من قبل اتحاد الكتاب في تقييم المؤلفات والمخطوطات أو أن وزارة الإعلام تعاني البطء في آلية المراسلات، أو أن هناك مسوّغات ودوافع متعددة للإبقاء على رقابة المطبوعات في ظل الكمّ الخطير من الأفكار المستوردة التي يحاول الغرب دسّها في مجتمعاتنا، كل هذا وأكثر يثير تساؤلات مهمّة فهل نستطيع في هذا الوقت أن نعود لأيام الوحدة بين سورية ومصر عندما تم إيقاف الرقابة عن المفكرين والأدباء والمثقفين ومع ذلك بقيت حضارتنا مزدهرة بعباقرة مثل ابن خلدون والجاحظ والمتنبي وغيرهم..؟
من أجل خصوصيّة هذا الموضوع وأهميّته قرّر اتحاد الكتاب العرب إحياء ندوة بعنوان “رقابة المطبوعات… مسوّغات البقاء وإمكانية الإلغاء” في مبنى الاتحاد بمشاركة معاون وزير الإعلام أحمد ضوا الذي يعتبر أن رقابتنا ليست تقليدية وأنه اليوم أصبح مفهوم الرقابة مختلفاً عمّا كان سابقاً بعد انتشار الوعي بماهيّة المجتمع السوري لدى أغلب الكتّاب وهي بالمعنى الأدق تقييم وتدقيق معلومات فالوزارة ترسل المحتويات للكتّاب أنفسهم أي من كاتب إلى كاتب زميل له وعن الدوافع الأساسية من هذه الندوة أوضح ضوا “لتشرين” أنها لخلق حالة من الحوار ولتصويب العمل وتلاقح الأفكار والخروج بنتائج تصب في تحسين أداء الكاتب ودُور النشر وصناعة الكتاب عموماً وأضاف إن الحوار كان شفافاً ومفيداً وطرح العديد من المشكلات التي نهدف لحلّها من أجل تحسين صناعة الكتاب السوري وبالتالي خدمة المجتمع.
بدوره أفصح لنا رئيس اتحاد الكتاب محمد الحوراني أنه شخصياً ليس مع إلغاء الرقابة ولكن مع أن تكون واعية غير منفلتة من عقالِها كما يقال لا سيما أننا في زمن أصبح معظم ما فيه متفلّتاً ونحن يجب علينا أن نساهم في ضبط الحالة الأخلاقية والقيمية والجمالية للنصوص.. أما عن أهمية الندوة فأكّد حوراني أنها تأتي لجهة ردم الهوّة إن صح التعبير ما بين الكاتب والناشر وإصلاح العلاقة بينهما وأيضاً لما يذاع عن أن الرقيب أو القارئ لهذا المخطوط أو ذاك جلّاد وهو ليس كذلك بل إن قراءته تأتي لتحسينه أو تجويده، ويرى الحوراني أن ما جرى في الندوة من شأنه أن يسهم بردم هذه الهوّة وأن يضع الأمور في نصابها الصحيح..
كما حاول رئيس اتحاد الناشرين السوريين هيثم حافظ الاقتراب من المصطلحات الإيجابية خلال مشاركته في الندوة وأبدى استعداده للتعاون من أجل وضع معايير إيجابية تتناسب مع جودة المحتوى في صناعة الكتاب ويتصوّر أن المشكلة الأساسية في هذه العملية هي مشكلة الزمن بغض النظر عن أين تتأخر سواء بالوزارة أو باتحاد الكتاب، ولفت إلى أن الرقابة المسؤولة والوطنية والراقية عامل إيجابي في تطوير صناعة النشر شريطة أن تكون مهنية هدفها رعاية الثقافة وتطوير العلم والمعرفة وأن تتعامل مع جميع المشارب الثقافية بحيادية.
وقد تباينت آراء الحضور من ناشرين وأدباء ومفكرين خلال مناقشاتهم بين الموافق لإلغاء الرقابة وبين من يجدها ضرورة لا يمكن التخلّي عنها وتم التوصّل لمجموعة من التوصيات والمقترحات فالبعض طرح أن يكون هناك قانون من شأنه أن يحاسب الكاتب الذي يُخلً بالآداب بشكل أو بآخر كما تم اقتراح رفع المبلغ الذي يستحقه الكاتب لأعماله وأيضاً تم التأكيد على ضوابط الرقابة فاللغة مثلاً أهم من السياسة والابتعاد عن كتابة الأفكار المدسوسة من الغرب كالمثلية الجنسية وغير ذلك…
يذكر انه أدار الندوة الأديب محمد حديفي الذي استفاد من تجربته كمدير سابق للرقابة بالإشارة إلى مكامن الخلل في العملية الرقابية على المطبوعات وتم التنويه أنه ستكون هناك ندوات قادمة في هذا الشأن من أجل استمرار الحوار ومتابعة موضوع الرقابة لما يحمل من أهمية قصوى يرغب الجميع بتطوير آليتها ومعالجة مشكلاتها.