«الروناليزا» لرنا محمود في ثلاث قراءات
تشرين – راوية زاهر
«الروناليزا» مجموعة شعرية للشاعرة والفنانة التشكيلية رنا محمود والصادرة عن دار توتول للطباعة والنشر في ١١١ صفحة من القطع المتوسط وعدد من الومضات، يلاحظ أن الشاعرة وبأسلوبٍ واضح تنقلت بين العاطفي والوجداني والاجتماعي وكلها نصوص نثرية.. هذه (الروناليزا)، كانت مؤخراً في مهبِّ ثلاث قراءات نقدية لكلٍّ من النقاد الدكتور عبدالله الشاهر، والدكتور عادل الفريجات، والشاعر جابر حسين، وذلك من خلال ندوة في المركز الثقافي في كفر سوسة.
الحب سيّد الموقف
يرى الدكتور عبد الله الشاهر أنّ القارئ وبقراءة سريعة يكتشف أن الحب هو سيد الموقف وبذلك نلحظ في المضمون جملة من النقاط يمكن إيجازها بالآتي: إن مجمل قصائد المجموعة تتمركز حول الذات – ذات الشاعرة – وحتى القصائد الوطنية والاجتماعية تبدو للمتلقي مركزية الذات واضحة جلية وقد تصل إلى النرجسية ففي قصيدة (تفاح) تقول الشاعرة:
“خُلقَ الإنسان
من طين
وماء
وخلقت أنا
من شهدٍ وتفاح..”
وفي المجموعة تعيد لنا تعريف العشق على طريقتها ففي قصيدة (رعشة الماء) تقول الشاعرة:
“ما العشق ؟!
ما العشقُ إلا أنوثةُ الماء
إنه كالطوفان
يا رجل النهايات
هلمّ إليّ
وفضتّ رقرقة مائي..”
كما يُمكن للقارئ أن يجد حالات عديدة في قصائد المجموعة تعلن عن شغف جسدي واضح الحضور، ويذكر الشاهر شاهداً على ذلك قصيدة (لا تنتظر) حيث تقول الشاعرة:
“لا تنتظر
هيا اقتحم
أرضيَ العطشى
واحتلّ مدائنها
مدينة
مدينة
وإياكَ
أن تخرج منها
إلا منتصراً..”
هذه اللغة فيها توق جسدي وتحذير بعدم الخروج إلا بعد الانتصار، كما نلحظ في المجموعة نقداً لاذعاً للعادات والتقاليد السائدة في المجتمع وقد تعرضت الشاعرة لتلك العادات من خلال قصيدة (صحوة أنثى)، تقول الشاعرة:
“برمان أنا
اقتلعتُ
كل آثار ماضيك
حطمتٌ شرقاً
يراني فريسة كبته
أعلنتُ ثورتي
على الانهزامات
والخوف
سأحطمُ أسوار
عادات عهود خلتْ”
بدوره يُعرف الشاعر جابر حسين عنوان المجموعة “الموناليزا” التي تعني / السيدة ليزا / وهي لوحة يعتقد أنها خلّدت سيدة اسمها ليزا جوكوندو .. مونا= السيدة، أما (الروناليزا) بهذا المعنى فهي محاكاة أو مقارنة على وجهٍ ما بين (ليزا ورنا)، وليزا لاشك كانت مختلفة حتى خلّدها الفنان العظيم ليوناردو دافنشي بلوحته الأكثر شهرةً في العالم، وهذه النظرة الحائرة المميزة التي يقال إنها تختلف حسب زاوية الرؤية والرأي والحالة النفسية إلخ.. والمجموعة التي بين أيدينا أرادت كاتبتها أن تُخرج من بين أضلاعها ريشة تحاول أن تحاكي اللوحة الأصل ولا نستغربُ ذلك إذا علمنا أن كاتبة هذه النصوص هي فنّانة تشكيلية لها باع في الرسم والنحت أيضاً.. إذ في العنوان ثمة مسائل عديدة يرى منها الشاعر حسين: الإيقاع في الموجز، استحضار صورة النسق الغني التشكيلي المتجاوز تشبيهاً أو تشبهاً، مزاوجة الفنون / الشعر – الفن التشكيلي/ ، والإعلان منذ البداية عن طابع تغلب عليه الذاتية في المجموعة ككل، وبروز الأنا الكبيرة حتى في تشكيل الحروف: فإذا أخذنا الحرف الأول والخامس والسادس من /الروناليزا/ نحصل على الضمير /أنا/ وإذا أخذنا الحرف الثالث والخامس والسادس نحصل على اسم /رنا / .. ومما توقف عنده الناقد في هذه المجموعة تلك العاطفة المتدفقة ولإنسانية المغامرة الجريئة والمدروسة – حسب تعبيره – أو التي تعرّفنا بالشاعرة من خلال النصوص التي انحازت إلى جانب الفقراء والتي جعلت منها حضناً لهم وراحات حنانٍ تربتُ على أكتافهم وتكفكف دموعهم وتمسح على شعرهم وتحاكي نفوسهم المتعبة تقول:
( ليت أمطار روحي المثّقلة تسد جوع يتيم
تبلل عيناه أرضاً قاحلة جوفاء )
وتقول في نص آخر:
(ليتني أمد يد المطاحن والمخازن والمكتبات
بيضاء من غير سوء ليتني حفنة من حنطةٍ
وقطرات نبع .. تروي قلوبهم العطشى )
أما الدكتور عادل فريجات فقد أعرب عن سعادته بقراءة المجموعة الشعرية ورأى فيها صوتاً جديداً في قصيدة النثر وما يميزها من جرأة وشجاعة ومغامرة.. فما بين الإحباط والجموح نطالع نصاً بعنوان (إني امرأة كاذبة)، ولسان الذات الشاعرة يتحدث بالجنوح الى أقاصي النجوم رغم الإعلان أن قلبها محطم مختلّ التوازن.
(إني امرأة كاذبة مكابرة وعنيدة، امرأة مهشمة المرايا لا يراهن إلا على قلب لا يكسر).. تحمله بين جناحين من ماس الشعر.
فأي حالة من الصراع هذه ؟ وكيف لامرأة مهشمة المرايا أن تجنح إلى أقاصي النجوم؟ وعلى المرء أن ينصت كثيراً – حسب فريجات – ويتعاطف كثيراً كي يقع على حل هذه المعضلة التي تنطوي على أكثر من طرفين الكذب والصدق معاً.. فالتهشم وعدم الانكسار معاً، والتوازن والجنوح في الوقت ذاته، ترى هل يفتح الكون الشعري باباً لمثل هذه التوترات؟ ويرى أنّ حيرة الشاعرة لابد لها من أن تلد تساؤلات حيرة أخرى، بيد أن خطاب الحب يبقى هو المهيمن في نصوص كثيرة، حيث تثير نصوص (رنا محمود) شهيّة للمقارنة بينها وبين أديبة اقترفت الكتابة في الحب و(مي زيادة) التي عشقت جبران عشقاً صوفياً ولم تلتقه البتة، وها هي (رنا) تقول: (ما بال مي تولد فيّ فأغرق فيها مثقلة في حصاد الخيبة.. لكني أنهض كالفينيق وسيف الحرف بوجه الريح يطاردهم)…