ملف «تشرين».. النمو الاقتصادي الصيني والأفول الأميركي

تشرين- د: حيان أحمد سلمان:
تؤكد الوقائع والدراسات على أن معالم القوة الاقتصادية على الساحة العالمية تتغير من سنة لأخرى، وبعد أن تفوقت الصين اقتصادياً على كل من ألمانيا واليابان وغيرهما في السنوات الأخيرة فإنها في طريقها لتتربع على عرش الهرم الاقتصادي العالمي وتصبح القوة الاقتصادية الأولى إذا ما حافظت على معدلات النمو الاقتصادي بأعلى منه في أمريكا، ويكمن وراء هذا التفوق اهتمامها بالبحث العلمي. وقد أكدت الهيئة الوطنية للملكية الفكرية الصينية سنة 2022 على أن الصين احتلت صدارة التصنيف العالمي وفق مؤشر براءات الاختراع وبنسبة 40% في مجال براءات الاختراع الأساسية لتكنولوجيا شبكات اتصالات الجيل الخامس “5G” تليها الولايات المتحدة.
وصناعياً فإن الصين تمثل «المعمل العالمي» وهي أكبر مصدر للمنتجات العالمية الأساسية مثل الأجهزة الإلكترونية والملابس والأدوات الكهربائية والأجهزة الطبية والسيارات …الخ ) والدليل على أن الصين- حسب بيانات صندوق النقد الدولي- في الألفية الحالية حققت زيادة كبيرة في قيمة الناتج المحلي الإجمالي GDP حيث ارتفعت قيمته من /1،4/ تريليون دولار سنة 2021 – وهي السنة التي انضمت بها إلى منظمة التجارة العالمية «WTO» وكان اقتصادها لا يُقارن بالاقتصاد الأمريكي- إلى حدود /18/ تريليون دولار، مقترباً بذلك من قيمة الناتج الأمريكي البالغ بحدود /23/ تريليوناً، فيما بعض الدراسات تؤكد أنه يتفوق عليه إذا تم قياس قيمة الناتج وفقاً لمؤشر القوة الشرائية PPP في كل من البلدين.

الناتج الإجمالي الصيني سيتجاوز الأميركي بحلول عام 2035 وسيتفوق عليه بنسبة 50% بحلول 2050.. وحالياً يدخل التنافس الصيني- الأمريكي مرحلة حرجة من ناحية السباق العسكري

كما أن الصين تحقق فائضاً في ميزانها التجاري مع كل دول العالم (الصادرات – المستوردات) وقد حققت فائضاً تجارياً كبيراً مع أميركا في سنة 2022 بالمقارنة مع سنة 2021، وهذا دفع الإدارة الأمريكية لتعطي الأولوية لواقع المنافسة والتنافسية مع الصين وخاصة في ظل زيادة التوترات الاقتصادية والتجارية بينهما، وهذا ما يفسر التحركات المشبوهة للولايات المتحدة ضد الصين وإثارة المشاكل في محيطها وفي حديقتها الخلفية كما عملت وتعمل حالياً مع روسيا.
وتوجهت الإدارة الأمريكية لإقامة تحالفات لعرقلة النمو الصيني مثل تحالف «أوكوس» مع بريطانيا وأستراليا، والعمل لنشر قواتها في المحيط المتجمد الشمالي والمحيطين الهادئ والهندي وبحر الصين الجنوبي وغيرها، إضافة إلى تحالف «كواد» مع اليابان والهند وأستراليا، بالإضافة لتحالفها الاستراتيجي مع كوريا الجنوبية والفلبين، وتحالفها مع القارة الأوروبية عبر حلف الناتو ومجموعة السبع الكبار.
ولكن الصين ترد على هذه التحركات اقتصادياً من خلال تحالفاتها الاقتصادية مثل منظمة “شنغهاي” ومجموعة “بريكس” وغيرهما، وبدأت الصين تنافس أمريكا في الكثير من دول وقارات العالم مثل آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية وحتى أوروبا الحليف الأساسي لأمريكا، وهذا دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته الأخيرة للصين للقول بأنه أصبح ضرورياً «ألا تصبح أوروبا تابعة للولايات المتحدة».

وتسخّر الصين كل قوتها لتتفوق قريباً على الولايات المتحدة وخاصة مع مشروع «الحزام والطريق» وهو مشروع استثماري عملاق يربط كل القارات مع بعضها البعض، وقد اعتمده الرئيس الصيني شي جين بينغ سنة 2013، وتركز الصين على منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر من أكبر شركائها التجاريين، وكان لزيارة الرئيس الصيني للسعودية وعقده /3/ قمم (سعودية وخليجية وعربية ) دوراً إيجابياً في تطوير العلاقات الصينية- العربية تجلت بعقد مؤتمر رجال الأعمال العرب مع الصين، ومعروف أن الصين تستورد أكثر من 50% من احتياجاتها النفطية من الخليج العربي، وهذا يفسر تركيزها على الطرق البرية والسكك الحديدة والممرات البحرية الدولية مثل قناة السويس أو مضائق البوسفور، الدردنيل، باب المندب وهرمز، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين ودول الشرق الأوسط لسنة 2022 حوالى 507 مليارات دولار، وسجل رقماً قياسياً بزيادة 36% عن سنة 2021، وكانت منطقة الشرق الأوسط على قائمة شركاء الصين الكبار.
وتحاول الصين حالياً إثبات ذاتها في الساحة السياسية وأن تكون عملاقاً سياسياً كما هي عليه من الناحية الاقتصادية، ولا سيما بعد توقيع المصالحة بين السعودية وإيران برعاية صينية، وانعكس التطور الصيني على الواقع الداخلي الصيني حيث تم انتشال 800 مليون صيني من تحت خط الفقر، ويؤكد أغلب الاقتصاديين على أن الدور الأمريكي يتراجع، ومقابل أفوله يزداد الدور الصيني، فمثلاً أكدت قد مؤسسة «غولدمان ساكس» على أن الناتج المحلي الإجمالي الصيني سيتجاوز الأميركي بحلول عام 2035، وأنه سوف يفوقه حجما بنسبة 50% بحلول 2050. وحالياً يدخل التنافس الصيني- الأمريكي مرحلة حرجة من ناحية السباق العسكري ولا سيما بعد الخلاف الكبير على جزيرة (تايوان وبحر الصين الجنوبي وأيضاً في المحيطين الهادي والهندي وقارتي إفريقيا وأمريكا اللاتينية.

تعمل الصين لتوسيع استخدام عملتها «اليوان» في التبادلات التجارية

وخاصة تسعير النفط والغاز وصولاً إلى «بترو- يوان» بدل «بترو- دولار»

وقد زادت الصين من موازنتها العسكرية لتصل إلى230 مليار دولار أي بنسبة 1،3% من ناتجها الإجمالي وبزيادة 7% عن السنة الماضية، وتمتلك الصين حالياً أكبر قوة بحرية في العالم من حيث الحجم، وتخطط لمواصلة تطوير أسطولها من الغواصات النووية والطائرات المقاتلة. لكنها لا تزال متواضعة بالمقارنة مع أمريكا التي خصصت للإنفاق العسكري 730 مليار دولار، أي بنسبة 3% من ناتجها الكلي، وتخطط كل من الصين وأمريكا ورغم الخلافات الكبيرة بينهما وعلى كل الصعد على أن لا يصل الخلاف إلى الحرب العسكرية لأنها ستكون مدمرة لهما وللعالم ، وتدعو الصين حالياً إلى استخدام العملة الصينية (اليوان) في التبادلات التجارية وخاصة في تسعير الغاز والنفط للوصول إلى «بترو- يوان» مثل «بترو- دولار» كما تدعو لإقامة المشاريع الاستثمارية على مبدأ (رابح – رابح).
كل هذه الإجراءات والمؤشرات تدفعنا للقول بأن الصين ستتفوق قريباً على الإقتصاد الأمريكي الذي يتخبط في أزمة الديون ورفع سقف الدين وسعر الفائدة ويستورد أكثر من 70% من احتياجاته، وينتهج نهج الاقتصاد الاستهلاكي وإدمان الإرهاب الاقتصادي من العقوبات والحصار، بينما تركز الصين على الاقتصاد الإنتاجي ودعم الاستثمارات، وسنتلمس نتائج هذا قريباً على الساحة الصينية والعالمية. ولكن حتى الآن لا تزال أمريكا هي القوة الاقتصادية الأولى في العالم، لكن التقدم النسبي للصين بمعدل نموها المرتفع سيقودها إلى أن تتجاوز أمريكا وهو ما تتخوف منه الإدارة الامريكية ويتوقعه أغلب الخبراء الاقتصاديين.

اقرأ أيضاً:

ملف «تشرين».. بين «اليوان» و«الدولار» المعركة تحتدم.. من سيفوز عالمياً؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار