ما إن أعلن وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن الأسبوع الماضي عن عزمه زيارة بكين، موضحاً أن هدفه السعي إلى (خفض التوتر) بين الصين وأمريكا، حتى أوضحت الخارجية الصينية أن أصل التوتر في العالم عامة وفي منطقة البحر الصيني خاصة هو انتهاج أمريكا استراتيجية (المنافسة الشرسة)، والاستنتاج البسيط من هذا التصريح الصيني هو أنه إذا كانت واشنطن تسعى جدياً إلى خفض التوتر في العالم وحول الصين فما عليها إلا الإقلاع عن الاستراتيجية الموصوفة بـ«الشرسة».
بلينكن مع وصوله إلى بكين قبل يومين أوضح مبرر زيارته بأن (إدارة الخلاف) مع الصين تستلزم التواصل معها. وكما يبدو فإن الخلاف بينهما ينحصر في المنافسة الشرسة الأمريكية كما ترى بكين التي تطالب باحترام حقوق الصين في التطور وفي السيادة على كامل (الصين الواحدة)، أي بما يتضمن تايوان. بينما تريد واشنطن في هذه المرحلة الحفاظ على الحالة الاستراتيجية كما هي.. تايوان مؤجلة.. كما تريد الإدارة الأمريكية من بكين أن تحدّ من تطورها النووي والتسليحي والعسكري.
ما سمّته بكين (المنافسة الشرسة) هو التوصيف الناعم لـ«توحش السيطرة الأمريكية» والتوحش في ترجمتنا لمعنى ما قالته الصين ليس من عندنا لأن الشراسة كوصف صيني للسلوك الأميركي هي نتيجة (الوحشية والتوحش)، وليس هناك من شراسة إلا شراسة الوحوش. وهذا يعني أن بكين تبني استراتيجيتها على ضرورة مقاومة التوحش الأمريكي الساعي إلى السيطرة على العالم وضمنه الصين. لذلك فهي تطور سلاحها النووي وتوسع وتعمق من بناء قدراتها العسكرية، إضافة إلى مراكمة تطورها الاقتصادي والتقني. لذلك فإنه من المنطقي ألا تستجيب الصين لأي طلب أمريكي يحاول أن يحدّ من بنائها لقدراتها النووية والعسكرية، خاصة أن الولايات المتحدة تنشئ تحالفاً عسكرياً يحاصر الصين وهو تحالف شبيه بحلف شمال الأطلسي الناتو لكنه مختص بمحاصرة الصين.
العالم كله يترقب المنافسة القائمة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية. ووصف بكين لها بأنها شرسة متوحشة هذا يعني أن الصين مضطرة للاستعداد الكافي لمواجهة الشراسة الأمريكية وتوحشها في محاولة استمرارها بالسيطرة والهيمنة. وهذا يعني أن التنافس عندما يلجأ أحد طرفيه إلى التوحش والشراسة يجعل العالم على حافة الحرب. وما يردع الوحش أو يرد الشراسة هو بناء قدرات قادرة على الردع، وهذا ما تفعله الصين، وهذا ما يضع واشنطن أمام حقائق الواقع الجيوسياسي المتضمن قوى تستطيع رد وردع الشراسة الأمريكية المتمادية.
د. فؤاد شربجي
130 المشاركات