مجموعة بريكس والقلق الغربي ومحكمة الجنايات الدولية؟!
تعطي الأسئلة دلالات واضحة أكثر من الأجوبة في أغلب الأحيان، لأن كل سؤال له جواب محدد بينما قد يكون الجواب جواباً لعدة أسئلة (وهذا رأي شخصي)، والسؤال المطروح الآن على الساحة الاقتصادية العالمية هو لماذا القلق الغربي المتصاعد من تزايد دور مجموعة (بريكسBRICS) واسمها مشتق من أوائل الحروف للدول الأعضاء المؤسسة وهي [ برازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا ] والتي عقدت قمتها الأولى سنة /2009/ ، وتستعد الآن لعقد قمتها الخامسة عشرة في دولة جنوب إفريقيا في شهر آب سنة 2023 وتحت عنوان “شراكة من أجل النمو المتسارع والتنمية المستدامة والتعددية الشاملة”، واجتمع وزراء خارجية المجموعة في اليومين الأولين من هذا الشهر في مدينة (كيب تاون في جنوب إفريقيا) للتحضير لاجتماع القمة القادم، وتم التركيز على أهم المشاكل العالمية التي يتعرض لها العالم من أزمات من الغذاء وسلاسل التوريد والإرهاب الاقتصادي الأمريكي (عقوبات وحصار) وأزمة الديون العالمية و بؤر التوتر وتغير معالم القوة الاقتصادية العالمية …إلخ، وولدّ هذا الاجتماع قلقاً غربياً أمريكياً كبيراً، ولا سيما بخصوص الموضوعين الأساسيين وهما
(توسيع المجموعة والبحث عن إنهاء القطبية الأحادية وإيجاد عملة بديلة للدولار ) وهذا يعدّ مصدر خطر على السياسة الأمريكية، وبلغة الواقع والأرقام فإن الكثير من دول العالم عبرّت عن رغبتها في الانضمام إلى المجموعة ومنها حالياً: مصر والسعودية والإمارات والجزائر وتونس وإيران وكازاخستان وتركيا والأرجنتين والمكسيك وإندونيسيا ونيجيريا والكونغو والجابون وكوبا وبنغلادش وغينيا بيساو وجزر القمر. وبعض هذه الدول لها ثقل اقتصادي أو جيوسياسي أو سكاني أو كلها مع بعضها، وهذا يعني خروج هذه الدول من تحت (العباءة الأمريكية)، ونتوقع أنه ستنضم دول جديدة لأن باب العضوية مفتوح ، وقد أكد هذا كل وزراء الخارجية المجتمعين في جنوب إفريقيا، أمّا اقتصادياً فقد أثبتت المجموعة نجاحها حيث نشرت صحيفة (لو فيغارو) الفرنسية تقريراً أكدت فيه أن دول مجموعة البريكس الخمس سبقت دول مجموعة السبع G7 والتي تضم الولايات المتحدة واليابان والمملكة المتحدة وألمانيا وكندا وإيطاليا وفرنسا، وهذه أول مرة تتفوق عليها، بدليل أن قيمة الناتج المحلي الإجمالي للدول السبع لسنة /2022/ شكلت نسبة / 30،7%/ من قيمة الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أما ناتج دول البريكس فقد شكلّ نسبة /31،5%/ أي بفارق قدره /0،8%/ ، ولو تمّ اعتماد مؤشر القوة الشرائية لكان الفارق أكبر من ذلك، وسيزداد الفارق سنة /2023/ لأن معدل النمو في دول مجموعة البريكس أعلى منه في دول السبع، وتؤكد الدراسات الاقتصادية الغربية أن دول المجموعة تساهم بأكثر من /51%/ من معدل النمو الاقتصادي العالمي بينما الدول السبع بحدود /25،6%/ ، وتتمتع دول المجموعة بإمكانيات كامنة يمكن استغلالها فهي تشكل نحو 41% من سكان العالم ومساحتها أكثر من / 27% / من مساحة العالم، وتستحوذ على نحو 26% من الناتج الإجمالي العالمي لسنة 2022 ومن المتوقع أن تصل إلى 33% سنة 2023، وأنتجت أكثر من /30%/ من السلع والخدمات العالمية وصادراتها بنسبة / 28%/ بينما مستورداتها بنسبة /21%/ أي أن ميزانها التجاري في حالة فائض بعكس الدول الغربية، كما أسست المجموعة ومنذ سنة /2014/ خلال قمتها في روسيا مؤسسة (بنك التنمية الجديد NDB) ومقره في مدينة (شنغهاي الصينية) برأسمال قدره خمسين /50/ مليار دولار والتوجه لزيادته لحدود /100/ مليار وأكثر، وقد يكون هذا الصندوق بديلاً عن (صندوق النقد والبنك الدولي) وهما بمثابة أذرع للإدارة الأمريكية لفرض شروطها ما سببّ امتعاض أغلب دول العالم من سياستهما، ويساهم في هذا أيضاً أن (اليوان الصيني) أصبح جزءاً من سلة حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد بدءاً من 1/10/2015، وأن روسيا قررت تصدير النفط والغاز بالروبل الروسي وهذا يضعف دور الدولار، فماذا لو أن الصين حذت حذو روسيا في بيع سلعها باليوان ولا سيما بعد أن نجحت في سوق النفط والبورصة العالمية في ترسيخ ( يوان دولار ) كمنافس
(للبترودولار )، كما يتم الآن البحث عن آلية للتحويلات المالية بدلاً من منظومة ( السويفت SWIFT) الأمريكية.
أمّا سياسياً فإن العالم يترقب قمة البريكس القادمة وهل سيتم توجيه الدعوة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحضورها وهل سيلبي الرئيس الدعوة ويحضر بعكس الرغبة الغربية التي مارست ضغوطاً على محكمة الجنايات الدولية الخاضعة للإملاءات الغربية لإصدار مذكرة لاعتقاله؟!
وفي حال انعقاد القمة وحضور (بوتين) فهذا يعني أن المجموعة وجهت رسالة للعالم بأن نظاماً عالمياً جديداً يتشكل بعكس الرغبة الأمريكية، ونحن في سورية هل نسرع بالانضمام إلى بريكس ومصلحتنا الحقيقية في انتهاء القرصنة الغربية وتشبيك العلاقات مع أصدقائنا.