«تحسين» ابن خالة أمي، تغّرب عن الضيعة، ودرس، واشتغل بعيداً عن أهله والأصدقاء، وشهاداته كثيرة، منسوخ عنها للتذكار صورٌ، ملأت صدر بيتهم وجدران بيوت إخوته وأخواته و«موبايل» والدتي وخالتي أم محمود التي تأمل أن «يسحب» أولادها إليه في المهجر وبلد فرص العمل و جني الأموال.
و«تحسين» نزل السنة على البلد، واحتفلت به الضيعة، وعملنا على شرف زيارته السهرات الملاح، وعلى نية «الفشخرة» على صفحات «الفيسبوك» وحالات «الواتس آب» نزلنا أحلى اللقطات.
وهلّلنا بشهادات قريبنا و«لكنته» العربيّة المكسورة «يدرغل» بها بمصطلحات تنمويّة وإداريّة وإصلاح… فهو ممن كان اختصاصهم وشهادة الدكتوراه في علوم الإدارة والعلاقات العامة وفرع آخر نسيته من زحمة شهاداته وقلة علاقتي بابن خالة أمي ازدهار.
وفي آخر تعليلة له – والحديث منقول عن لسان أهل الضيعة- قضى السهرة كلها يشرح نظرية «النافذة المكسورة» أهمّ نظرية غربية، على حدّ زعمه، في علم الجريمة (لا النفس ولا الاجتماع) و«شلش» أهله ومعارفه بشرح النظرية وظروفها وكيف أن أخانا «فيليب زمباردو» قام بتجربة في سنة «التسعة وستين»، وترك سيارتين بلا نمر ونوافذ مكسورة في حي فقير وآخر غني.. على عينكم ياعباد ، وأن النتيجة كانت، مع اختلاف الفروقات الزمنية بين الحيين، واحدةً، والتخريب والتدمير والسرقة طال السيارتين، وبأنه وحسب علم النفس البشري، طبيعة الإنسان ميالة للفوضى ولابد من قوننة حياته وشرعنة الانضباط، لأن العبث يتحول لجرأة، ومن يكسر نافذة سيارة يقتحم منزلاً، ويتلف محصولاً، ويرمي القمامة في كل مكان.. إذ لا قيمة ردعيّة عنده لتهذيب الذوق العام.. وعلى سيرة التهذيب، وبعد أن أنهى «تحسين» المغترب حديثه ومصطلحاته التنموية والاجتماعية بين المثقفين والعوام، قاطعه أحد الحاضرين، وتمنى عليه عدم التنظير والشرح الطويل بجرائم الغرب وسيارات وقمامة وتنمية ونوافذ فيليب.
ولاضرورة لترك سيارته بنوافذ مفتوحة وداره مشرعة بالليل والنهار، لأنه لن يقوم أحد بالاعتداء على نوافذه، فشهاداته تؤهله ليكون من المعنيين المنظّرين، ولامصلحة للفقراء و«المعتّرين» بالاعتماد على خميرة المسؤولين.