مرّ ضبط “جمارك دمشق السيار” أقمشة مهربة مخبأة في شاحنة تحت حمولة “بحص” مرور الكرام، فللوهلة الأولى تعتقد أن ذلك يسجل إنجازاً للجمركيين، الذين يتغنون دوماً بإيرادات “المكافحة” المرتفعة من دون انعكاس ملموس على الخزينة والاقتصاد المتعب، لكن عند التدقيق والتمحيص تشعر بالأسى لوصول التهريب إلى الأقمشة، التي كانت تنتج بأنواع وأشكال مختلفة في منشآتنا الصناعية وتحديداً في مدينة حلب، وهنا قد ترتفع أصوات صناع وتجار الألبسة الجاهزة بتأكيد أن إنتاج هذه المعامل غير كافٍ لتغطية الإنتاج المحلي والخارجي، وهذه الصناعة تحتاج إلى موديلات تواكب الموضة، التي يمكن تغطيتها من باب الاستيراد المفتوح دعماً لصناعة الألبسة الجاهزة، لكن أن يصل الأمر إلى تهريب هذه الأقمشة فذلك يطرح ألف سؤال وسؤال.
مكافحة آفة التهريب، الآخذة بالتنامي بحيث لا تنفع معها حملات ولا صولات، وخاصة فيما يتعلق بالمنتجات اللازمة للصناعة، يتحقق بتوفير البيئة المناسبة للإنتاج وتأمين كل مستلزماته وخاصة المواد الأولية بأسعار مقبولة، مع حماية كاملة للمنتج الوطني وتعزيز منافسته أمام المستورد وللأسف القول المهرب أيضاً، حيث يضطر الصناعي حينما لا يجد المواد الأولية المطلوبة لتصنيع منتجاته إلّا بشق الأنفس وبأسعار خيالية مع تكبيله بصعوبات تحد من تأمينها حتى لو استيراداً، سيجد نفسه فجأة في صفوف المهربين أو أقله المتعاملين معهم، مع إنّ غايته الاستمرار في تدوير عجلة معمله، وضمن هذه البيئة الطاردة للعمل يقتنص المهرب فرصته لتحصيل أرباح طائلة مستغلاً عدم توافر المواد الأولية اللازمة للصناعة والطلب الزائد عليها، فيدفع الصناعي الثمن مرة والمواطن عدة مرات، لكون التكلفة الزائدة ستعوض حتماً من جيوبه، والعكس صحيح، فالمهرب حينما لا يجد طلباً على بضاعته سيعزف عن تهريبها طالما لا تحقق له الأرباح المأمولة.
واقع الصناعة المحلية بكل قطاعاتها وتحديداً في مدينة حلب لا تبشر بالخير، ما فتح مجالاً واسعاً لانتشار المهربات على نطاق واسع رغم خطورتها وضررها وخاصة الغذائيات وحتى الأقمشة، بالتالي الحل الأول والأخير للقضاء على هذا الداء وإرجاع مليارات الخزينة المتسربة إلى أرصدة المهربين يتمثل بالعودة إلى تبني سياسة دعم الانتاج جدياً وتمكين صناعتنا المحلية على تصنيع سلع جيدة بأسعار مقبولة تضاهي الأجنبي مستورد ومهرب، وليس تركهما ينافسانه في عقر داره عن سوء إدارة وتخطيط.
رحاب الإبراهيم
68 المشاركات