ملف «تشرين».. مفاتيح تحت الطلب لتفعيل العمل العربي المشترك..كفة المحفزات راجحة والشراكات الثنائية و الإقليمية مقدمات أكثر مرونة
تشرين – رشا عيسى:
إذا كانت التفاهمات السياسية هي الركيزة الأساسية في إرساء الاستقرار الاقتصادي وتفعيل العمل العربي المشترك، فإن الركائز الأخرى التي يحتاجها هذا التفعيل تتلخص في إزاحة العوائق التي تحول دون توحيد الأهداف والوصول إلى الاستراتيجيات الجديدة وفق ضوابط واضحة تترجم واقعاً على الأرض، في وقت لم تعد فيه سمة النظام العالمي القطبية الواحدة، بينما يشهد التوقيت الحالي تحولاً سريعاً نحو عالم متعدد الأقطاب تكون فيه حظوظ التكتلات الإقليمية الأكبر لجهة الحضور السياسي والاقتصادي.
وجود الإرادة الحقيقية
الباحث الاقتصادي الدكتور مجدي الجاموس ربط إزالة المعوقات المرتبطة بتفعيل العمل العربي المشترك بوجود الإرادة الحقيقية بين الدول العربية مع وجود اقتصاد سياسي عربي واضح ورؤية أيضاً واضحة لتفعيله، وهذا ما يسمى الاقتصاد السياسي ويعرف بأنه السياسات الموضوعة من كل دولة تجاه الدول الأخرى سواء سياسات داخلية أم خارجية متعلقة بالجانب الاقتصادي وتحدد توجهها وعلاقاتها مع الدول الأخرى أو السياسات الأخرى مثل السياسات الضريبية وسياسات الاستيراد والتصدير والجمارك والسياسات الجمركية وسهولة الدخول والخروج كما يوضح الجاموس.
الجاموس: من معوقات العمل العربي المشترك عدم وجود استقلال بالقرار الاقتصادي
وهناك عمل عربي مشترك لكن بحده الأدنى وبالذات بهذه الفترة في ظل التغيرات الدولية حيث تعد التجارة العربية أيضاً بحدها الأدنى.
وأهم المعوقات لتفعيل العمل العربي المشترك هو غياب الإرادة العربية الواضحة المعالم لتسهيل هذا الجانب من العمل العربي المشترك أو ما كان يسمى التجارة العربية البينية التي تعد بحدودها الدنيا حالياً لعدة أسباب أبرزها عدم رغبة الدول الاقتصادية القوية وعدم تفاعلها مع مساعدة الدول العربية، إضافة إلى أن الفارق بمستوى دخل الفرد والناتج المحلي بين الدول العربية سبب صعوبات بعمليات الانتقال والعمل، وبالتالي كل دولة تعمل بشكل مستقل بعيداً عن الدول الأخرى إلى حد ما.
ويوضح الجاموس لـ«تشرين» أننا مثل أي دولة أخرى في العالم توجد تكتلات اقتصادية مثل الاتحاد الأوروبي والسوق الأوروبية المشتركة ومنظمة التجارة العالمية ودول آسيان، وهذه التكتلات الاقتصادية لديها الرغبة في تقوية اقتصاداتها من خلال العمل المشترك فهي ملتزمة جغرافياً جمعتها (الجغرافيا والرغبة بالعمل) وهذه التكتلات توجهها نحو الدول المتقدمة.
ويشير الجاموس إلى أن من معوقات العمل العربي المشترك أن التكتلات الاقتصادية ليس لها توجه نحو الدول العربية إنما هذه التكتلات تتوجه نحو بعض الدول المتقدمة والدول التي لها استقلال بالقرار الاقتصادي، حيث يعد من معوقات العمل العربي المشترك عدم وجود استقلال بالقرار الاقتصادي.
حلم لم يتحقق
أما رئيس الأمانة السورية للثوابت الوطنية الدكتور حسام الدين خلاصي فوجد أن العمل العربي المشترك هو الحلم الذي لم يتحقق بعد بكامل أبعاده وتجلياته أو انعكاساته السياسية والاقتصادية لأن المسافة التي تفصل بين الأنظمة العربية ليست ثابتة ولا مستقرة، وبالتالي تارة نجد حماسة خطابية في هذا الاتجاه وتارة ينسى الموضوع كلياً وتسود المحلية على هذا الحلم العربي.
خلاصي: عناصر العمل العربي المشترك هي أكثر بكثير
من معوقاته لكنها أضعف منها لانعدام الإرادة السياسية
ولكل ما تقدم معوقات كثيرة أهمها:
1. القرار السياسي غير المستقل في سلوك درب للتقارب بين الدول العربية.
2. العرب عموماً مرتبطون بسياسات المحاور الدولية المختلفة التي غالباً ما تكون في حالة تنافر.
3. التباين الاقتصادي بين دول الخليج العربي وبقية الدول العربية فتكون الصيغة العامة لهذا التعاون الإعطاء المشروط بسياسة المحاور السابقة الذكر.
4. لما كانت القضية الفلسطينية هي القاسم المشترك الأعظم، صارت للأنظمة العربية نظريات عديدة في محاربة الكيان الصهيوني بدءاً من السلام مروراً بالتسليم و انتهاء بالمقاومة وهذا التباين ينعكس على أوجه التعاون العربي المشترك.
5. دوام حالة النزاعات بين أغلب الدول العربية والشقاق السياسي وانخراط بعضها بالتآمر على بعضها في أغلب الأحيان تنفيذاً لسياسة المحاور الخارجية.
6. القدرات الاقتصادية العربية المتبددة والمنصهرة ضمن الاقتصاد الغربي وبنوكه تباعد المسافة بين الأنظمة العربية وتوسع الهوة الاقتصادية والاجتماعية.
7. التدخلات الغربية الدائمة في معظم القرارات العربية التي تحاول لمّ الشمل العربي لتفسدها.
وعموماً وواقعياً عناصر العمل العربي المشترك هي أكثر بكثير من معوقاته لكنها أضعف منها لانعدام الإرادة السياسية لكثير من الأنظمة العربية.
وسيبقى حلم العمل العربي المشترك يراود أبناء الوطن العربي لما فيه انعكاسات على حياة الشعوب وإثبات وجود الأمة العربية في عالم متغير.
الفروق المتنوعة
الباحثة في شؤون الاتصال والمعلومات المهندسة مريم جودت فيوض حددت عدداً من المعوقات التي تواجه العمل العربي المشترك، من بينها:
1_الفروق الثقافية واللغوية: هذه المعوقات تعوق التواصل والتفاهم بين العاملين المشتركين في المشروعات، ما يؤثر في جودة العمل ويزيد من احتمالية وقوع الأخطاء.
2. التنظيم الإداري: غالباً ما تواجه المشروعات العربية المشتركة مشكلات في التنظيم الإداري وإدارة المشروعات، ما يؤدي إلى تأخير التسليم وتضخيم التكاليف.
3. الفشل في تحديد الأهداف والتخطيط: يعد ضعف التخطيط وعدم وضوح الأهداف أحد أكبر المعوقات للعمل العربي المشترك، حيث يؤدي إلى عدم التركيز على الأولويات الأهم وإيجاد حلول مناسبة للمشكلات الطارئة.
4. عدم توافق الرؤى: يمكن أن تؤدي الرؤى المتضاربة بين المشاركين إلى انحراف المشروع عن الهدف المشترك، وعدم تحقيق النتائج المطلوبة.
5. المشكلات التقنية: قد يتعرض المشروع للعديد من المشكلات التقنية في مجال التكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك البرمجيات والأجهزة، ما يؤدي إلى تأخير المشروع وارتفاع تكاليفه.
أهمية استثمارية
وبالنسبة للمناطق الحرة العربية الثنائية والإقليمية يحدد الخبراء مجموعة من الآراء التي أجمعت على أهميتها للناحية الاستثمارية وتوفير القطع الأجنبي، مع الانتباه لضرورة توفير القوانين والأنظمة التي تسهل أن تكون المناطق الحرة بوابة لدخول القطع الأجنبي من البلاد لا خروجه.
الجاموس: يجب إقامة اتفاقيات لكي لا يتم تحويل
القطع الأجنبي من الداخل إلى الخارج وإنما بالعكس دخوله من الخارج إلى الداخل
ويؤكد الجاموس أن المناطق الحرة وجدت لتشجيع الاستثمار وللمساهمة في بناء الاقتصادات الوطنية ولابد من تشجيع الاستثمار بدءاً من البنية التحتية والقطاع المالي وتفعيل المناطق الحرة التي تشكل عوامل مشتركة لخدمة أي اقتصاد وطني، لأن فكرة المناطق الحرة وبالخصوصية التي تحتوها تجعلها تساعد في بناء الاقتصاد الوطني.
و تستفيد الاستثمارات الوطنية والأجنبية من إحداث منطقة حرة لها مزايا خاصة من حيث إنها منطقة جغرافية معزولة في مكان محدد ومعفاة من الضرائب بغضّ النظر عن العرق والجنس، ما يوفر نوعاً من المساواة، من دون وجود روتين في العمل، أي وجود إعفاءات ضريبية وبنية تحتية خاصة واستثمارية جيدة خاصة بغض النظر عن السياسات المتبعة داخل البلد.
ورغم تشجيعه على الاستثمار في المناطق الحرة، ينبه الجاموس إلى أن هناك مخاوف من دخول القطع الأجنبي إلى المناطق الحرة و إخراجه خارج البلاد، حيث إن العمل بالقطع الأجنبي في المناطق الحرة يتم دخولاً وليس خروجاً، لذلك يؤكد على أهمية إقامة اتفاقيات لكي لا يتم تحويل القطع الأجنبي من الداخل إلى الخارج وإنما بالعكس دخوله من الخارج إلى الداخل، أي يجب أن يكون تشجيعاً للمستثمر الأجنبي.
خطوة قابلة للتنفيذ
أما خلاصي فوجد أنها خطوة قابلة للتنفيذ بين البلدان المتجاورة لأهميتها لكلا البلدين ولتبادل المنفعة من حيث الضرورة، كما أنها تسهل حركة الميزان التجاري بين البلدين كسورية والأردن أو العراق أو لبنان، لكننا نلاحظ أن هذه الاتفاقيات محصورة بين إرادتين سياسيتين لا رغبة واحدة فقط، لافتاً إلى أن استقلالية القرار وسيادته الوطنية هما من يسرع تفعيل مثل هذه الخطوات.
أما المناطق الحرة الإقليمية فهي أقدر على التنفيذ لأنها تحظى برعاية وحماية دولية من دول قادرة على حماية مصالحها وتحترم بالوقت نفسه السيادة الوطنية للبلدان المشاركة.
تكامل الأسواق العربية
من جهتها تشرح فيوض أهم العوامل التي تعزز العمل العربي المشترك، وهو إنجاز السوق العربية المشتركة لما لها من أهمية كبرى على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، فمن خلال تكامل الأسواق العربية يمكن تعزيز النمو الاقتصادي، وإيجاد فرص عمل جديدة، وزيادة الاستثمارات، وترسيخ التعاون الاقتصادي بين الدول الأعضاء، وتحقيق التكامل الاجتماعي والثقافي بين الشعوب العربية، ومن بين الفوائد الأخرى التي يمكن أن تعود على الدول الأعضاء في السوق العربية المشتركة:
فيوض: من خلال تكامل الأسواق العربية يمكن تعزيز النمو الاقتصاد
1. تعزيز التجارة الحرة والتبادل التجاري بين الدول الأعضاء و تحسين مستوى الحياة للشعوب العربية من خلال التنمية الاقتصادية وإيجاد فرص العمل.
2. تحسين البيئة الاستثمارية وجذب المزيد من الاستثمارات الداخلية والخارجية.
3. تحسين البنية التحتية والخدمات اللوجستية، ما يحسن النمو الاقتصادي ويسهل التجارة والاستثمارات.
4. تعزيز الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي في الصناعات الغذائية.
5. تحسين الصحة العامة والرعاية الصحية في المنطقة وتعزيز التعاون في مكافحة الأمراض المعدية.
درويش: مواجهة الواقع بحاجة ماسة إلى نهج عربي على الصعيدين الثنائي والجماعي
إنَّ تعزيز العمل العربي المشترك يحقق مكاسب اقتصادية كبيرة للدول الأعضاء، وفي الوقت نفسه يمثل فرصة كبيرة لتحقيق التنمية المستدامة.
استراتيجيات جديدة
الباحثة في الشؤون السياسية الدكتورة رنا درويش توضح أن العمل العربي المشترك بحاجة إلى استراتيجيات جديدة وتوحيد للأهداف ليتم تحويلها إلى واقع ملموس على الأرض وفق ضوابط واضحة تحدد آلية العمل لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهها الدول العربية ما يفرز حاجة ماسة إلى نهج عربي على الصعيدين الثنائي والجماعي لأن العمل العربي المشترك يدور في إطار الواقع العربي نفسه.
كما تؤكد أن العصر الراهن هو عصر التكتلات الكبرى الإقليمية، وليس عصر الدول أو الدويلات الصغيرة، والنظام العالمي الحالي هو نظام متعدد الأقطاب يحقق الحد المطلوب من العدالة، وسيكون نظام الأمم والكتل الكبرى والدول الكبرى وليس الدول أو الدويلات.
اقرأ أيضاً: