قلم امرأة
عندما أشرقت الشمس ذات ربيع كانت تتيه جمالاً ورقةً وتسابقت الأيدي للمس عطر الزهرة الوضاءة.. وجاء من مكان بعيد يحمل العهود والوعود ويقسم لها بأنه سيحميها من كل الشرور.. صارت الزهرة سجينة المزهرية.. وبدأ الذبول يعتري وريقاتها الملونة بعد سنوات طويلة من العمل ومن العطاء للزوج وعناء تربية الأولاد من دون كلل أو عتب .
تتغير الفصول وقد تفقد الزوجة راعيها فيبقى حبه وذكرياته وعطفه قوة تستمد منها الصبر والجلد والتحمل.. لكن الأشد ألماً عندما ينكسر قلبها لأن من وهبته أريجها بات يشعر بالملل وقد أصاب قلبه الغرور والأنانية.. فيترك زهرته أمام خيارين: الموت البطيء مع الأولاد لتكابد ألم الوحدة والهجران، أو الموت السريع في مهب الريح.. فيخلع عنه ثوب المسؤولية والمودة والعطف تاركاً خلفه بذوراً صغيرة لم تنبت بعد .
قد يحزن الكثير لمصير الزهور، تلك الكائنات الرقيقة الملونة للنهايات الحزينة لحياتها.. لكن للزهور أسرارها لاسيما تلك التي تعتاد قسوة الشتاء.. حيث تتحول الألوان الى طاقات تبث الحياة والروح من جديد في الأوراق التي قد يظن البعض أنها ذبلت وتعود لتشرق من جديد وتنتج أكسير الحياة والقوة على غير ما يعتقده البعض، وتمنح رغم دموع القلب الدفء والجمال لمن يحيط بها !
هكذا تعاني النساء من أنانية بعض الرجال وخيالاتهم بأن تحطيم زهورهم بعد دهر من العشرة والمودة.. قد يجلب لقلوبهم الباردة الدفء من جديد.. فيلهثون وراء أوهام العودة للصيف! فينالون ما يستحقون بقدر نفوسهم المريضة.. في حين أن الألم يعطي القوة للنساء اللواتي تعرضن للقسوة والأنانية فيزداد إصرارهن على التجدد ومواجهة الأعاصير، وكل شتاء تزداد النساء جمالاً وتكبر قدرتهن على منح الأمل والدفء والعطايا لأولادهن ومجتمعاتهن ولأنفسهن.. وكثيرات من النساء في العقد الخمسين والستين بدأن بالتعلم واكتساب مهارات جديدة وتسلمن مواقع المسؤولية وأثبتن نجاحاً وتميزاً وكنّ رائدات للنساء والرجال سواء .
زهور الشتاء يمتلكن جمالاً وعطراً وضياء ينافس مثيلاتهن في فصول الربيع والصيف والخريف.. إنها أسرار العودة للحياة عندما يحاصرنا الألم فتنبت في القلوب بذور الصبر وما أجملها من بذور .