تغيير قواعد «العملة»

الكثير من العملات العربية تراجعت قيمتها أمام “الدولار ” بما في ذلك الليرة السورية التي انخفضت قيمتها الحقيقية لأسباب أكثرها خارجية وأقلها داخلية بعد تشديد العقوبات الدولية على سورية، ومراقبة التعاملات المالية، أضف الى ذلك أن سرقة النفط والغاز السوري أدت إلى استيراد المنتجات النفطية والمواد الغذائية ومواد البناء وكثير من السلع الرئيسة, وما بين اليوم والأمس والغد بقي التساؤل الذي يسأله الكثير من العرب، لماذا نربط أنفسنا بعملة الدولار؟ وأين نحن من العملة العربية الموحدة ؟!
توحيد العملات العربية حلم لطالما راود الجموع العربية وتؤيده الأغلبية الساحقة من الشعوب العربية, واليوم الفرصة باتت متاحة وبات تحقيق الحلم وتحويله إلى واقع ينعش الاقتصادات العربية ويلبي تطلعات المستثمرين والاقتصاديين إلى التقدم الاقتصادي والمالي المنشود ولا سيما أن العالم يفسح الطريق لأقطاب متعددة ممن تملك الجرأة والموارد .
ويبدو أن التغيرات الدولية الحالية تنصب في مصلحة هذا المشروع، حيث تم وضع خطط لتغيير قواعد التمويل التجاري منذ بدء الحرب في أوكرانيا، بعد أن تعاظمت العقوبات الغربية المفروضة على الكثير من الدول, وتجري اليوم تحركات بارزة يمكن عدّها الأكبر في التاريخ. فمنذ أشهر تم استبدال التعامل باليورو والدولار في تجارة روسيا والصين الخارجية، ورغم الاعتراف أن الأمر ليس سهلاً لكن التغيير بدأ .
وبالعودة الى العملة العربية الموحدة التي يمكن أن تكون ” الدينار العربي” فإن المؤيدين يتطلعون إلى التقدم الذي وصل إليه الأوروبيون من ناحية العلاقات الاقتصادية بينهم بعد إصدار العملة الأوروبية الموحدة عام 1999.
وكان خبراء اقتصاديون عرب أكدوا في أبحاث ودراسات ضرورة التوصل إلى عملة عربية موحدة على أن تسبقها خطوات مهمة، منها زيادة نسبة التجارة العربية البينية التي توصف بالضعف، مع اتخاذ إجراءات تعمل على توحيد نظام الصرف في الدول العربية وتحرير عملاتها وجعلها قابلة للتحويل تحويلاً تاماً.
ويلفت البعض إلى أن توحيد العملة قد يتطلب تكافؤ اقتصادات الدول المشتركة في العملة الموحدة، فهناك دول لديها فائض في الميزان التجاري وأخرى لديها عجز في الميزان التجاري لكن توحيد العملة لن يؤثر في ميزانيات وإنتاج وفوائض الميزانيات المالية لأي دولة وهذا ما شهدناه في دول اليورو فقد حافظت ألمانيا على تقدمها وقوتها المالية مثلاً، في حين أن دولاً أخرى شهدت عجزاً في ميزانياتها .
لكن اليوم الظروف تغيرت وربما يكون ذلك هو الذي يدفع بالأكثرية من الاقتصاديين إلى ضرورة الاستعجال والإقدام على مثل هذه الخطوة التي تعد جزءاً من الوحدة الاقتصادية والتكامل الاقتصادي.
اليوم تتجه التغيرات الدولية إلى تعزيز المكاسب الاقتصادية وقد بدأت كل من روسيا والصين بتحقيق خطوات تنفيذية على أرض الواقع على أن تستكملا الأرضية اللازمة لاعتماد اليوان الصيني والروبل الروسي كعملتين بديلتين للعملتين الأوروبية والأمريكية. وبات من الواضح الاتجاهات العامة للتجارة الروسية، خصوصاً تلك التي تشمل الطاقة بأنواعها، تغيرت وتحتاج إلى شكل جديد آخر من التمويل، يوفر للحكومة في موسكو مزيداً من الاستقلالية عن نظام التمويل العالمي الذي يقوم أساساً على الدولار الأمريكي.
واليوم تلوح مؤشرات عالمية على ضعف تلك العملة التي هيمنت لعقود على اقتصاديات الدول , إذ إن أهم شيء في العلاقات الدولية هو الاقتصاد، لذلك تلجأ الدول ورجال الأعمال والشركات والبنوك وكذلك الناس العاديون إلى العملة والأسواق الأكثر استقراراً وقوة، وباتت للجميع قناعاته الجديدة بأن الدولار لم يعد العملة الأكثر أماناً وأن قوة الدولار كانت لسنوات أساس هيمنة واشنطن على العالم، لكن في الآونة الأخيرة تغيرت الأحوال وبات متاحاً للكثير من الدول التعامل بعملاتها الوطنية والباب بات مفتوحاً أمام العملة العربية الموحدة لنأخذ مكاناً لنا بين الأقطاب المتنافسة .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار