ولو عن طيب خاطر
انتفض بحدة عندما دار نقاش حول تقاضي أغلب الموظفين لما تسمى “الإكرامية” في عملهم عندما تتاح لهم قائلاً: وكيف يعيش الموظف؟ إذا كان أكثر من ثلثي راتبه يذهب أجور تنقل ذهاباً للعمل وإياباً منه، والثلث المتبقي لا يسد ثمن القهوة والشاي أثناء الدوام، واسترسل بالقول: إذا لم يتقاضَ تلك الإكرامية – مجبراً- لبلوغ كفاف عيشه وأسرته لكان جلس في منزله وترك الوظيفة وتعطل عمل المديريات الذي ترتبط به مصالح الناس.
تفاعل الحضور بالحوار أكثر فأكثر.. وأجمعوا على تبرير الإكرامية وخاصةً إذا كانت تدفع عن طيب خاطر المراجع وليس بابتزازه معززين رأيهم بالقول: إن من يأخذ في النور ليستر معيشة أسرته أرحم من أن يسلك سبلاً منحرفة.. كأن يضع اللثام على وجهه ليلاً ليتخفى ويقطع الطريق ويسلب ما بحوزة المارة من نقود أو مصاغ ذهبي، أو يسلب سيارة أو يخطف صاحبها ويطلب فدية بملايين الليرات، وهي حالات مرعبة يتكرر السماع عن حدوثها ولا أحد يريد لها أن تتفاقم أكثر.
عاد الحديث ليتمحور حول الدخل الهزيل، فالراتب الشهري لم يعد يكفي الموظف وأسرته بأحسن الأحوال أكثر من ثلاثة أيام في ظل التضخم المهول والمتواصل لتكاليف المعيشة، وهو لم يعد يساعد الموظف على استمرار تحصين نفسه ضد أن يضعف أمام ما تسمى الإكرامية التي يستجديها على الأغلب مكرهاً وعلى حساب كرامته.
هذا الواقع لا شك أصبح مألوفاً للجميع في محيطنا، ولم يعد يشكل أي حرج للموظفين، كما أنه مستساغ من المراجعين الذين اعتادوا عليه، حتى إن القائمين على المديريات لا يعيرونه أهمية تستدعي التقويم والمحاسبة، لأنه بمنع الإكرامية سينقطع معظم العاملين وخاصة منهم الذين يقيمون في الأرياف ويتحملون أجور نقل تستنزف معظم راتبهم، وهو ما لا يريده أحد أو يرضاه لكونه يفضي إلى تعطل عمل المديريات وتضرر مصالح المواطنين من ورائه.
يبقى الأمل معقوداً لحل المشكلة على ضرورة تحسين معيشة الموظفين بأي طريقة مناسبة، سواءً من خلال زيادة الرواتب إلى الحدود التي تغطي كفاف العيش، أو من خلال اتخاذ سلسلة من الإجراءات الكفيلة بخفض الأسعار، وخاصةً أن استمرار البرود في التعاطي مع معالجة تردي الوضع المعيشي يعني مزيداً من تسرب العاملين وضعف الأداء وتفاقم ظاهرة الإكرامية ولو عن طيب خاطر لا بالابتزاز.