الاقتصاد العالمي بعد اللقاء الروسي- الصيني سنة 2023
تشهد الأيام الحالية تغيرات اقتصادية عالمية كبيرة، فمن جهة تنهار البنوك الأمريكية والغربية حالياً وزيادة التظاهرات والتوترات الاجتماعية بما يذكر بالأزمة الاقتصادية المالية سنة /2008/ وتداعياتها الدولية الكبيرة والتي انطلقت من الغرب وخاصة التحالف (الانغلو سكسوني أي الأمريكي) وغيرها البريطاني، وبنفس الوقت تسعى روسيا و الصين ومعهما إيران وسورية وكوريا وكوبا وفنزويلا) وغيرها لتعزيز علاقاتها وتجاوز العقوبات الغربية المفروضة عليها، ومصلحة هذه الدول هي التخلص من الغطرسة الغربية ونفاقها السياسي والاقتصادي، واستقرار الاقتصاد العالمي يتطلب بناء نظام عالمي اقتصادي جديد ويساعد في ذلك أن (روسيا والصين) دولتان نوويتان وقويتان ودائمتا العضوية في مجلس الأمن ومتفوقتان في المجال العسكري والاقتصادي وتتوطد علاقاتهما مع دول العالم وتزداد عملتهما قوة على الساحة العالمية بشكل نسبي، وهما عضوان في العديد من المنظمات الدولية مثل (مجموعة بريكس ومنظمة شنغهاي) وتتوجهان الآن لتقوية (الاتحاد الأوراسي)، وستزداد هذه التوجهات قوة بعد لقاء القمة الذي جمع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شين جين بينغ بتاريخ 20/3/2023 لمدة /3/ أيام وهي أول زيارة له بعد انتخابه رئيساً ولولاية ثالثة، ولكن سبق اللقاء /40/ لقاء سابقاً بين الزعيمين، وتم توقيع اتفاقيات اقتصادية حتى سنة 2030 بحيث تزداد (التجارة البينية بينهما) ويتجاوزان سنة /2023 / ما تم تحقيقه سنة /2022/ حيث بلغ حجم التبادل التجاري بينهما بحدود /196/ مليار دولار، لصالح روسيا 114 ملياراً وللصين 76، لكن بعد الزيارة ستتغير الأمور حيث حظيت الأمور الاقتصادية بأهمية كبيرة ، فقد وقع الرئيسان على اتفاقية تطوير خط نقل الغاز من روسيا إلى الصين المتفق عليها سنة /2019 / والمتضمنة تطوير خط الغاز من روسيا إلى الصين عبر منغوليا بطول /3000/ كلم والصفقة لمدة /30/ عاماً وبقيمة /400/ مليار دولار وبمشروع عملاق هو ( باور أوف سيبريا) والذي سينقل /50/ مليار م3 من الغاز، وتصدر حالياً روسيا من النفط إلى الصين بحدود /1،9/ مليون طن وأكد الرئيس الروسي أنه بحلول /2030/ ستؤمن روسيا إلى الصين بحدود /98/ مليار م3، إضافة إلى معدات عسكرية من أنظمة إنذار وصواريخ S400 وغيرها، وبالتالي فإن التعامل بعملاتهما المحلية سيزيد من تجارتهما البينية حيث تتوجه روسيا لزيادة الاعتماد على العملة الصينية على حساب الدولار واليورو بدليل أن اليوان في بداية سنة /2022/ كان يشكل 4% من ولكنه ارتفع إلى /13%/ في نهايتها ونسبة /16%/ من المستوردات وأكثر من /50%/ من قيمة الأصول الروسية، وبراينا ستزداد المستوردات الروسية من الصين وخاصة أن الصين صدرت السنة الماضية بقيمة /3600/ مليار دولار كان نصيب روسيا منها فقط بحدود /2%/ أما الصين فهي الوجهة الأولى للصادرات الروسية، وبالتالي فالظروف الموضوعية تساعد في زيادة التكامل بينهما وعلى كل الأصعدة الاقتصادية والعسكرية والسياسية وغيرها.
ومن هنا نتفهم دعوة الرئيس الروسي للشركات الصينية بأن تحل مباشرة محل الشركات الغربية التي خرجت من السوق الروسية، ومن خلال متابعتنا لما كتب عن اللقاء وتداعيات القمة وجدنا انزعاجاً غربياً قبل نهاية الزيارة وعبر عنه (جون كيربي) الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأميركي واعتبرها أنها تشكل عقبة كبيرة أمام السلم العالمي!، ونسي أن الرئيس الصيني تقدم بمبادرة لوقف الحرب بين (روسيا والناتو) على الأرض الأوكرانية وأكد الرئيس الروسي أنه يدرسها مرحبا بها بل أدانتها أمريكا مباشرة وقبل أن يكشف عن مضمونها، ونسي أو تناسى أن التعاون بين القطبين الشرقيين (روسيا والصين) قائم على اعتبارات اقتصادية بالدرجة الأساسية والصين تتمدد في العالم بقوتها الاقتصادية بينما أمريكا تتمدد بقواعدها العسكرية الخارجية والتي تزيد على /860/ قاعدة خارج حدودها وآخرها في (بولونيا) بهدف تأجيج الحرب الروسية الناتوية، ولم تخف دول الناتو من انزعاجها من التوسع (الروسي- الصيني) في العديد من القارات وتوجههما لبناء مشاريع استثمارية على مبدأ (رابح – رابح) وتمكن الصين من أن تتحول إلى مارد سياسي بعد أن أصبحت مارداً اقتصادياً وخاصة أنها رعت الكثير من الاتفاقيات الدولية وأخيراً الاتفاق بين (السعودية وإيران) وهذا يمهد لتتقدم بمبادرات دولية أخرى، وتعرف كل من الصين وروسيا وإيران أن تمدد حلف (ناتو) شرقاً هو لمحاصرتها وخاصة عن طريق (البحر الأبيض المتوسط) فهل تتوجه استثمارات هذه الدول وغيرها إلى سورية حليفتهم الأساسية وهي التي عانت وتعاني من ناتو وأتباعه، وهذه الدول وقفت مع سيادة واستقلال سورية وتسخير الثروة السورية لمصلحة الشعب السوري وتطالب هذه الدول بطرد المحتل الأمريكي والمتعاملين معه من على الأرض السورية، وقوة سورية بقوتها الاقتصادية وبموقعها الجيوسياسي وتمسكها بتطبيق الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة، ومن هنا كان تركيز الرئيسين الروسي والصيني وإيران ومنظمة شنغهاي والبريكس وغيرها على إدانة الاحتلال الأمريكي، وأصبح واضحاً أن العالم بدأ يرفض الهيمنة الغربية المرسخة لتركيز رأس المال العالمي على حساب التهميش الاجتماعي الدولي، وتستخدم ترسيخ استخدام القوة الاقتصادية والعسكرية، لكن الآن تغيرت الأمور وقد أوضح ذلك السيد الرئيس بشار الأسد إلى روسيا والرئيس الإيراني إلى الصين على أن تحقيق التوازن الإستراتيجي ضروري لمنع الحرب وتحقيق الاستقرار الدولي، وأخيراً نسأل هل ستقبل الدول الغربية دول الاستعمار القديم والجديد ظهور قوى منافسة وقد تصبح أقوى قريباً؟ أم أنها كعادتها ستقوم (بتصنيع الحروب وزيادة التوترات والصراعات وبما يخدم مصالحها فقط) هذا ما ستجاوب عنه الأيام القادمة، ولكن أثبتت التجارب أن منع الحرب يتطلب الاستعداد لها والتغيرات الدولية تنبئ بشيء قادم لم تكتمل معالمه بعد لكن قد يكون أسوأ ونرجو أن يكون استنتاجنا خاطئاً وخاصة أن العالم يشهد مخاضاً فكيف سيكون المولود؟