لم تكن تعتقد رغم ضيق حالها أن يأتي يوم وتشتري بـ”الحبّة” أو “الأوقية” وخاصة إذا كانت السلع محلية الإنتاج كالخضار والفواكه أو حتى البقوليات، التي وضعت للأسف على لائحة المستوردات، حيث كانت تشتري احتياجات بيتها كغيرها من ذوي الدخل المحدود وفق سياسة تقشف مفرط، قبل أن تكسر موجة الغلاء الجديدة جيوبها، ما اضطرها لاتباع هذه العادة، التي كنا لنشجعها لو كانت متبعة لمنع هدر الطعام أو بالأحرى “كبّه” لكونها متداولة في دول عديدة، لكن ما دامت تعد مؤشراً إضافياً على الانحدار المعيشي وقلة حيلة الجهات المعنية بضبط الأسواق، سنرفع الصوت عالياً لزيادة القدرة الشرائية بأي طريقة ممكنة، فالوضع لم يعد مقبولاً في ظل التآكل المستمر لقيمة الدخل.
انتشار ظاهرة اضطرار المواطنين للشراء بـ”الحبّة”، حيث بات مألوفاً أن تسمع في الأسواق طلب شراء “كم” حبة بطاطا أو فليفلة مثلاً، يعود بالدرجة الأولى إلى حالة الفوضى العارمة في التسعير من دون وجود مبررات واضحة لهذا الصعود المستمر في أسعار السلع من دون مقدرة وزارة التجارة الداخلية على الإيفاء بوعودها بالانخفاض المأمول، كما أن استمرار انخفاض الدخل الشهري بحيث لم يعد يكفي ليومين فقط، يعد سبباً رئيسياً أيضاً في التأزيم المعيشي الجديد، بالتالي لا يفترض الاستناد أو الاعتماد على تحسن الحركة الشرائية قليلاً بموجب زيادة تدفق الحوالات الخارجية، كنوع من دعم المغتربين لأهلهم وتمكينهم من شراء احتياجاتهم خلال شهر رمضان، لكونها لا تشمل سوى قلة فقط ولا يجوز تعميم هذه الحالة، باعتبار أن النسبة العظمى من المواطنين أصبحوا ضمن خط الفقر وخاصة بعد كارثة الزلزال، الأمر الذي يوجب اتخاذ خطوات جدية لمنع الانحدار المتواصل في المعيشية وتحسين الدخول حتى تقدر الأسرة على تأمين مستلزماتها الأساسية.
تزامن شهر رمضان الكريم مع هذا الوقت العصيب، سيجعله قاسياً وليس رحيماً على معظم العائلات بفعل تجبر التجار وعجز المعنيين، فاليوم تكلفة فطور من قريبه تتجاوز 60 ألف ليرة، فكيف سيتم تدبير أمورها طوال الشهر، ما يستلزم اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة هذا الواقع المتأزم وليس الاكتفاء كالعادة بتعميم تشديد الرقابة على الأسواق أو طرح بعض السلع في السورية للتجارة حتى لو تم إطلاق قرض للأكل، لن يزيد الوضع إلا سوءاً، حيث يجب زيادة أجور مجزية قادرة على سد هذه الفجوة المهولة، واتخاذ إجراءات مشددة لضبط الأسواق وتخفيض الأسعار قدر الإمكان، من دون ذلك سيستمر التأزيم المعيشي لدرجة قد يصبح الشراء بـ”الحبّة” نعمة نحسد أنفسنا عليها.
رحاب الإبراهيم
68 المشاركات