هواجسُ بلا عنوانٍ
ناظم عيد – رئيس التحرير:
أيُّ صحوةِ ضميرٍ تلكَ التي شرعتْ تنعطفُ بدفّة الفوضى في منطقتنا نحو ما يشبهُ «السلامَ»؟؟!.. ولماذا يفضّلُ الأميركيُّ «نومَ التماسيح» بعينٍ مفتوحةٍ، على جهودِ تبريد بعض البؤر الساخنة التي وزّعها هنا وهناك؟؟.. وهل يمكنُ الاسترخاءُ فعلاً لمؤشرات انكفاء مؤقّتة تأتي إمّا على شبعٍ وإمّا على خوفٍ؟؟.. والسؤالُ الأهمُّ.. لماذا إفساحُ المجال للصين، العدوّ التجاريّ الأوّل لأميركا، للعبِ دورٍ يرسّخ حضورَها الذي طالما كان مثارَ قلقٍ لواشنطن في مناطق ذاتِ حساسيّةٍ بالغةٍ، إقليميّاً وجغرافيّاً؟؟!
نعلمُ أن واشنطنَ باتتْ متوجّسةً، ربما على نحوٍ مفرطٍ، من فقدان السيطرة على الحرائق التي افتعلتها على نطاقٍ واسعٍ في هذا العالم، فالإطفاءُ لم يعدْ مهمةً سهلةً على الإطلاق، بعد اندلاع «الحربِ العالميّة الثالثة» وسقوطها كـ«مصطلح» من أجندة نبوءات المستقبل، بما أنها باتت أمراً واقعاً، وهي، كما تبدو، خليطٌ جديدٌ «مُبتكر» بين الساخن والبارد، وفقاً للطراز الحديث من الحروب المُدارة التي لا تخلو مما هو جينيّ بشريّ وحيوانيّ وزراعيّ وبيولوجيّ ووبائيّ، وتكنولوجيّ وإعلاميّ، إضافة إلى الطراز العسكريّ التقليديّ.
لكنْ، على الرغم من كلّ ذلك ثمةُ هواجسُ مشروعةٌ لمَنْ يراقب كلَّ المتغيّرات الحاصلة، فأغلبُ الظنِّ أن هناك ما هو قادمٌ، في سياق تكتيكاتٍ جديدة من المؤكّد أنها نضجتْ في المكاتب «العميقة» للإدارة الأميركيّة، بما أن «إغماضةَ العين» تزامنت مع «افتعال» أزمة ماليّة جديدة بسيناريو 2008 ذاته، ليكون بنك «سيليكون فالي» هو الضحيّةُ – البطلُ هذه المّرة بدلاً من «ليمان براذرز».
التكهّنات تتجهُ إلى أن في الأفق ترتيباً آخر للنظام العالميّ بكل أبعاده الاستراتيجيّة، من الاقتصاد إلى النقد إلى توزيع مراكز القوى، وغير ذلك من «مماسك» السطوة الأميركيّة المباشرة وغيرِ المباشرة.
فمَنْ كان يظنّ أن واشنطنَ ستسمحُ يوماً بتسويةٍ لافتةٍ كالتي حصل التوقيعُ عليها بين السعوديّة وإيران، وبرعاية صينيّة أيضاً..؟!! وهي التسويةُ / المنعطفُ الذي من شأنه أن يغيّرَ واجهات وكواليس المنطقة برمّتها؟؟
هل سيُصار إلى نقل غرفة الملفّات الحسّاسة إلى مكانٍ آخر قريبٍ في إقليم الشرق الأوسط مثلاً؟؟ أم إن في الأفق «كوفيدات جديدةً» وأوبئةً فتّاكة «قيد التصنيع» لا تتركُ للاصطفافات السياسيّة وزناً نوعيّاً، وغيرها من بدائل السيطرة والتحكّم التي يستحيلُ أن يتنازلَ عنها الأميركيُّ؟؟
لا نثقُ بالأميركيِّ مطلقاً.. ومن حقّنا أن نصرَّ على إطلاق العَنان لريبتنا في كلّ نيّاته حتى التي يغلّفها بـ«أمبلاجات الطيبة» إنْ وجدت، ومن واجبنا، كما كل شعوبِ وحكوماتِ العالم –وتحديداً هذه المنطقة– أن نحترزَ، أمنيّاً وعسكريّاً واقتصاديّاً، بكل تفرّعات ومسارات الاقتصاد.
فعادةً تتشكّلُ ارتساماتٌ جديدةٌ على الأرض بعد الحروب، ولا تنسوا أننا في خضمّ حربٍ عالميّة ثالثة، المنتصرُ فيها، على مستوى منطقتنا، هو مَنْ يخرجُ بأقلّ الخسائر لا بأكثر الأرباح، جغرافيّاً واقتصاديّاً واجتماعيّاً، وطبعاً لا ننسى السياسةَ التي باتت محل جدلٍ جديدٍ فيما إذا كانت تقودُ الاقتصادَ أم هو يقودها.. ولاسيما حين يكون الصراعُ صراعَ بقاءٍ.