هموم الناس في الميزان
يا هموم الناس، يا كثبان من الرمال فوق أكتاف المتعبين في صحارى الفقر وقلة الدخل والرواتب وفرص العمل وغلاء أسباب المعيشة.. تحترق! كلما تحدث المسؤولون عن انتعاش وتحسن اقتصادي وإجراءات ملموسة تنعش أوضاع العباد والبلاد، تطالعنا الوقائع بما لا يخطر على بال من حروب وكوارث وتداعيات، والكل يركب موجة الغلاء برياح أسعار لافحة تطيح بأبسط مستلزمات الحياة كما تطيح بالآمال والتوقعات! تسأل بعض العائلات الفقيرة المحدودة الدخل التي ضاقت بها السبل: هل تقبلنا الحكومة في مراكز الإيواء؟!
يقال: إياكم والسخرية من الجائع.. واليوم حال الأكثرية لا يخفى على أحد حتى إن المتضررين من الزلزال وغير المتضررين من الأسر الفقيرة باتوا في مراكز الإيواء، وصحيح أن الحكومة والمجتمع الأهلي والمبادرات الإنسانية تقوم بإطعام وإيواء الأسر المتضررة وتأمين أساسيات العيش لها.. لكن، إلى متى يمكن أن تدوم هذه الحال؟ فعشرات الآلاف من العائلات والأسر المتضررة في وضع اقتصادي ومعيشي صعب، والجهود مشكورة التي تقوم بكل ما يلزم من حلول إسعافية، إلّا أن المطلوب من المعنيين المباشرة بحل مشكلات أعمق ولا تقل وطأة عن هموم هذه العائلات المتضررة من خلال إعادة ترتيب الوضع الاقتصادي ككل، إضافة إلى مواصلة الجهود الإنسانية وإيجاد مناطق منظمة للسكن وتأمين عودة الطلاب إلى المدارس، وقبل كل شيء تأمين فرص العمل لمن فقدَ عمله من أصحاب المهن وغيرهم لأن العمل الشريف عنوان العيش الكريم .
اليوم يبدو كأن كل المجتمع السوري متضرر من الزلزال، ومن الوضع الاقتصادي الصعب، ومن العقوبات، ومن الفساد، ويبدو الموضوع معقداً وشائكاً لكل مواطن وهو كذلك، لكن الخسائر كبيرة وإعادة الإعمار والحياة إلى المناطق المتضررة من الزلزال وقبل الزلزال تحتاج إلى تمويل وإمكانات اقتصادية كبيرة ليس للعودة فقط إلى الوضع الاقتصادي السابق وإنما إلى ما هو أحسن منه وأجدى وأنفع. ومن المعلوم أن أغلبية المتضررين من الزلزال يمكن أن يتم فرزهم حسب مهارتهم بالزراعة، بالمهن، بالصناعة وبالإعمار وغير ذلك، وهذه خطوة مهمة تساعد بتنظيم أوضاعهم وعودتهم إلى الإنتاج وهذه أهم خطوة في إعادة العجلة الاقتصادية إلى الدوران .
لابدّ من الاستفادة من كل شخص قادر على العمل، فهناك الكثير من الأراضي الزراعية التي تحتاج إلى الاستثمار والكثير من المهن والأعمال التي ترفد السوق المحلية بالمواد الأساسية والخدمات، أضف إلى ذلك أن إزالة الأنقاض وإعادة البنية التحتية تحتاجان إلى جيش من العمال.. في المقابل حبذا لو تقوم الجهات المعنية بتخصيص مكاتب تشبه النافذة الواحدة لتسهيل هذه الأعمال ومنح التراخيص والموافقات وإعداد الخطط, فليس من الممكن استبقاء آلاف الأسر على الهامش، ولا بدّ من الانتهاء من فكرة مراكز الإيواء والبدء بأفكار تضخ الحياة وتسهل العمل على أرض الواقع .
إنّ الزلزال أحدث صدوعاً، وعمّق جروحاً، وزاد في الألم ولا بدّ من حلول شاملة لكل المجتمع السوري .