سورية ومؤتمر فالداي والتغيرات الدولية
نسمع صوت سورية قوياً في مدينة (فالداي) الروسية والتي شهدت عقد مؤتمر فالداي الدولي الثاني عشر وليومي 17 و 18/2/2023 وهنا نشير إلى أن المؤتمر الأول عقد سنة /2004/، وانطلقت فكرة المؤتمر من ضرورة العمل لتحقيق اللقاء بين النخب الفكرية والعلمية والسياسية الروسية والعالمية، لكي يكون الحاضر أفضل من الماضي والمستقبل أفضل من الحاضر، ويتجسدّ هذا من خلال التوجه لتحقيق السلام والأمن بين الشعوب واحترام ميثاق الأمم المتحدة وشرعية حقوق الإنسان على أساس العدالة والمساواة ورفض التدخلات الخارجية والاستغلال وفرض الإرادات وتحقيق التنمية الاقتصادية وإنهاء كل أشكال الاستعمار والتمييز، واتخذ المؤتمر الحالي شعاراً له وهو (الشرق الأوسط الجديد والأزمة الأمنية في أوروبا: التأثيرات المتبادلة)، ومثّل سورية السيدة ( بثينة شعبان ) مستشارة السيد رئيس الجمهورية حيث أكدت أمام ممثلي الدول المشاركة أن (تطورات الوضع في أوكرانيا أظهرت أن العالم لا يمكن أن يستمر وفق قواعد الغرب، وأن واشنطن وحلف الناتو يكّونان تحالفات إقليمية في ظل أحداث أوكرانيا وأن الغرب يختار العناصر الموالية له ويدعمها وهذه العناصر هي التي تتولى مهمة الغرب، وأنهم يستخدمون الإرهابيين لتغيير النظام العالمي القائم ولجعل الدول تسير وفق هواهم، كما أكد السيد وزير الخارجية الروسي (سيرغي لافروف) أن [ تعزيز العلاقة مع دول الشرق الأوسط يعتبر من أهم أولويات السياسة الروسيّة، وهي أولوية إستراتيجية ومن دون شروط بالنسبة لروسيا، وأن موسكو ستواصل العمل على جعل الشرق الأوسط منطقة آمنة، وستساعد في التغلب على الأزمات، وستشارك في إعادة الإعمار ما بعد النزاع في البلدان المتضررة]، ويركز المؤتمر منذ سنة /2009/ وبدعم من معهد (الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية) على قضايا
(شرق المتوسط) أو ما يطلق عليه تجاوزاً ( الشرق الأوسط)، ومع انفتاح روسيا على دول العالم عقد المؤتمر سابقاً في /3/ دول وهي (الأردن والمغرب ومالطا)، ولكن في سنة /2016 / وفي مؤتمر (سوتشي الروسية) تم الاتفاق على أن يتم عقد كل المؤتمرات اللاحقة في روسيا، ويتزامن عقد المؤتمر الحالي مع تغيرات كبيرة على الساحة العالمية وفي كل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية وتغير موازين القوى الدولية والتوجه لإنهاء القطبية الأحادية والانتقال إلى عالم متعدد الأقطاب، وخاصة أن العالم يعيش حالة مخاض حقيقية والمولود الجديد هو على الأقل تغير معالم النظام العالمي القديم.
ويتجلى هذا في توسع الخلافات الكبيرة بين التوجهات الغربية والتي يقودها التوجه (الأنغلو – ساكسوني) بقيادة أمريكا ومعها (حلف الناتو والاتحاد الأوروبي والدول السبع الصناعية) وبين القوى الصاعدة ولاسيما التحالف (الروسي – الصيني – الهندي – الإيراني – السوري) وغيرها من دول (الاتحاد الأوراسي ومجموعة البريكس ومنظمة شنغهاي)، ويسيطر على هذه الخلافات ظلال وتداعيات الحرب على الأرض الأوكرانية بين دول الناتو وروسيا والتي مرّ عليها اكثر من سنة، إضافة إلى الممارسات الأمريكية لتسخير الموارد العالمية لمصلحة أمريكا ودول الغرب الاستعمارية المتغطرسة، عبر تمدد حلف (الناتو NATO ) العسكري شرقاً وانضمام بعض دول حلف (وارسو) السابق المناقض له إلى الناتو بهدف محاصرة واستنزاف قوة الدول المنافسة للناتو ولاسيما (روسيا والصين والهند والدول الصاعدة والاقتصاديات الناشئة) وهذه الدول ساهمت في السنوات الثلاث الأخيرة بأكثر من /55%/ من معدل النمو الاقتصادي العالمي، وقريباً سيتجاوز الناتج المحلي الإجمالي الصيني مثيله الأمريكي، وروسيا وضعت عقيدتها العسكرية على قوتها البحرية والبرية والجوية، وكل هذه التحولات تساهم في إضعاف القدرة الامريكية والغربية وخاصة التحالف (الأنغلو سكسوني) من فرض إرادته عبر الإدمان على ممارسة الإرهاب الاقتصادي من (عقوبات وحصار ) جائرين مفروضين من طرف واحد مخالف للشرعية الدولية كما هي حالياً على (روسيا والصين وإيران وسورية وكورية الشمالية وكوبا …الخ )، وبالتالي يجنب العالم الكثير من الأزمات المالية والاقتصادية، وهنا نسأل: هل يمهد مؤتمر فالداي لتغيرات عالمية تتجلى في مؤتمر مجموعة العشرين G20 القادم في الهند التي تترأس المجموعة هذه السنة، هذه المجموعة التي تسيطر على أكثر من /85%/ من حجم الاقتصاد العالمي، لكن الوقائع تؤكد زيادة الانقسام بين دول العالم الكبرى حيث إن اجتماع وزراء خارجية المجموعة بتاريخ 2/3/2023 التي تمهد لعقد قمة الدول العشرين في شهر أيلول سنة/ 2023 /، والدليل أن السيد رئيس وزراء الهند ( ناريندا مودي ) أكدّ على فشل الحوكمة في مواجهة التحديات الدولية مثل الأزمة المالية العالمية والتغير المناخي والجائحة والإرهاب والحروب وغيرها، واعترف بانقسام العالم بخصوص حرب (الناتو مع روسيا) وحتى أن الهند رفضت الاستجابة للإملاءات الأمريكية والأوروبية بإدانة روسيا واكتفت بالدعوة إلى الحل الدبلوماسي ولم يصدر بيان ختامي عن اجتماع وزراء الخارجية بل تم الاكتفاء بملخص ووثيقة نتائج، وللخروج من هذه المشكلة اقترح السيد (مودي) أن تعقد قمة الدول العشرين القادمة تحت شعار ( أرض واحدة وعائلة واحدة ومستقبل واحد) للإشارة إلى الترابط بين حياة الإنسان والبيئة، فهل نجاح مؤتمر فالداي وفشل مؤتمر وزراء خارجية مجموعة العشرين يمهد لتغيرات دولية كبيرة يتبعها تغير في بنية (مجلس الأمن) وأن تضاف إلى الدول الخمس دائمة العضوية والتي تمتلك (حق الاعتراض VETO) دولة أو دولتان على الأقل لتمثلا كلاً من أمريكا اللاتينية وإفريقيا هذا ما نتمناه ونرجوه، وهل سنسمع صوت الحق السوري في قمة العشرين القادمة وغيرها ولا سيما بعد التضامن الدولي الكبير لأغلب دول العالم مع سورية.