بعد استيعاب “صدمة” الزلزال ومحاولة التأقلم مع هزاته الارتدادية وإن “تنكّهت” بشعور الخوف من البقاء في البيوت التي لم تُعد آمنة كالسابق، عاد الناس إلى أشغالهم على مبدأ “الحياة بدها تستمر” ولن يوقفها حرب ولا زلزال، لكن للأسف كان زلزال آخر لا يقل وجعاً لهم بالمرصاد، المتمثل بارتفاع السلع غير المبرر أدخلهم في أزمة جديدة من جراء عدم القدرة على مواجهته بعد ضياع شقاء العمر تحت أنقاض الأبنية المنهارة.
موجة الغلاء الجديدة، التي شملت المنتجات المحلية والمستوردة، لم تترك أي خيار يستند إليه المواطن، فالفروج تجاوز سعره 40 ألفاً، وأقل طبخة خضار تكلف 25 ألفاً، أما مشتقات الأجبان والألبان فحدّث ولا حرج، وإذا فكر بشراء سندويش الفلافل أكلة الفقراء لعائلته، ستشهد جيوبه كسراً يصعب جبره بسهولة، وبالتالي انعدام الخيارات كلياً يتحمل مسؤولياته تجار اعتادوا التصيد في الأزمات، وقد ألفنا طوال سنوات الحرب أفعالهم الجشعة، لكن بالمقابل تجبّر هؤلاء التجار راجع أيضاً إلى عدم قدرة وزارة التجارة الداخلية على ردعهم على قاعدة “يا فرعون مين فرعنك”، ما فسح المجال عريضاً لتشكل فئة جديدة من الطينة ذاتها هم تجار الزلزال، وإذا كنا نستغرب قدرتهم على ممارسة أفعالهم الاستغلالية من دون أخذ العِبر من قوة الزلزال، الذي أخذ معه كل شيء بلحظة، ندرك في الوقت عينه أن تجبّر حيتان السوق وشركائهم الفاسدين لن يردعه زلزال ولا غيره، ما يجعل الكرّة في ملعب الوزارات المعنية بضبط الأسواق ومحاسبة المتاجرين بمعيشة المواطن واقتصادنا المنهك، حيث يفترض اتخاذ إجراءات فوق العادة توقف جنون الأسعار وتضع حدّاً لأفعال التجار غير الاخلاقية، فأين تلك القرارات المفروض إصدارها بما يتلاءم مع إعلان المدن الأربع منكوبة، ألا يتوجب إعلان حالة استنفار عام غير مقتصر فقط على وزارة التجارة الداخلية، التي وعدت بانخفاض الأسعار، لتخالفها وتحلق فوق قدرة معظم المواطنين.
رفع قدرة العائلات على مواجهة تكاليف المعيشة المرهقة، لن يكون بكيلو سكر أو ليتر زيت، وإنما يتطلب تمكينها من شراء احتياجاتها بلا ضغوط وحسابات، وهذا يتحقق عند خفض أسعار السلع بعد سحب خيوط إدارة السوق من سيطرة التجار وتحقيق تدخل فعلي لـ”السورية للتجارة” عند طرحها السلع بأسعار مخفضة وليس التعامل بمنطق التجار مجردة نفسها من دورها الإيجابي، والأهم المسارعة إلى زيادة الرواتب بالسرعة ذاتها عند إصدار قرارات رفع أسعار المشتقات النفطية وغيرها، فإذا لم تتخذ خطوات جدية بهذا الإطار سنكون على موعد مع تعميق جديدة للكارثة الاجتماعية والاقتصادية، سيلعب تجار الزلزال والحرب على وترها ما لم يكن هناك رادع قوي وقبضة شديدة تخيفهم وتسد شهيتهم المفتوحة على المتاجرة غير المشروعة بالمال العام وأرزاق العباد.
رحاب الإبراهيم
68 المشاركات