«بابٌ مواربٌ» للأذكياء فقط!!
لعلهُ من الحماقة الاسترخاءُ للنيّاتِ الطيبة والخطابات المعسولة حين تتصدّرُ واجهات أروقة السياسة، لأن الكثيرَ من التفاصيل قد يتحوّل إلى مفاجآت، بعضها يكون صادماً… هكذا علّمتنا تجربتُنا المريرة في معاركنا السياسيّة الضروس خلال أزمتنا المديدة.
رغم أننا لا نملكُ إلّا أن نتفاءلَ، ولو بحذرٍ بالغ، بمجمل الحراك العربيّ والدوليّ في التوجّه الجديد نحو سورية، و«الانفجار العاطفي» على إيقاع الزلزال.
الحرصُ على تصدير المواقف بـ «أمبلاجات الكارثة»هو داعي الحذر، بل والتوجّس من تقديرات الساسة للفسحة الممنوحة عبر الباب الأميركي الموارب باتجاه سورية.
على المستوى العربيُّ، بقي الكثيرُ مما هو غير مفهومٍ وملتبسٌ يحول دون استشراف القادم حتى على المدى القصير.
وفي المضمار الأوروبيّ، يدور ألفُ سؤالٍ وسؤالٍ، حيثُ الكمّ الهائلُ من الإحراج الذي اعترى عجائز القارّة العجوز، رغم أنّه من الصعب التعويلُ على حواس ومدارك العجائز في تقدير الأمور المصيريّة.
الواقعُ أن «المسألة السورية» وضعت بعض الأشقّاء العرب ومعظم الأوروبيين أمام محنةٍ وامتحانٍ صعب، عنوانه «كيف النزولُ عن الشجرة» بعد أن أبقتهم الإجراءات التنفيذية الأميركيّة عالقين ومُعلّقين معها، من دون مسوّغات تتكفّل بإقناع شعوبهم بسلامة موقفهم إزاء وضع إنسانيّ، بدأت مشاهدُه تتصدّر اهتمامات العالم مع حادثة «الزلزال» من دون أن تقف عندها، فالكارثةُ تمتد راجعةً مسافة نحو اثني عشر عاماً، وهذا بات موثقاً في ذاكرة الشرق والغرب.
يالها من ورطةٍ لمَنْ لم يحسبوها جيداً!!
فاليومَ، ثمةُ معطياتٌ مختلفة عمّا في عامي 2011 و2012، وثمّة متغيّراتٌ عميقة وقاهرة على مستوى العالم، يتحسّسها الجميعُ، وخصوصاً الأوروبيين بكثير من التوجّع، أبرزها أزمتُهم القادمةُ من ميدان الحرب الروسيّة– الأوكرانيّة التي لم يُحسنوا حسابَ مواقفهم إزاءها، فخسروا في الذهاب والإياب.
متغيراتٌ لا يمكن معها للأوروبيّ أن يبقى مشغولاً بأخبار الطقس وعروض دور الأزياء، وسباقات أندية كرة القدم، وربما لا يمكن أن يتجاهلَ يقينه أن سورية هي بوابةٌ مناسبةٌ للخروج من أزمته.. يُساومُ.. يراهنُ.. يتمرّدُ.. يذعنُ.. لا بد له من أن يفعل شيئاً ما للخروج، بما أن أميركا لا تدّخر ودّاً لمواقفهم المجانيّة، والشرق غير مكترثٍ بهم أساساً، و معظم العرب باتوا أمام متحوّل شبه جمعيّ جديدٍ، ولو بدا معظمهم متردّداً.
الوقائعُ تؤكد اليومَ أن ثمّة إعادة حساباتٍ تجري على مستوى عالميّ، لا مجرّد مستوى إقليميّ ضيّق، بشأن التعاطي مع سورية.. الجغرافيا المحدودة بمساحتها واسعة الطيف بأثرها وتأثيرها، لكنّ المريبَ أن يبقى مَنْ بقوا، عرباً وأوروبيين، منكفئين وراء التابلوهات التي صدّروها منذ عقد ونيّف من الزمن مع بداية الحرب على سورية..الخطابُ ذاته والمكابرةُ ذاتها، ولعلها الحماقةُ بأوضح صورها أيضاً!!.
أحياناً، تكونُ الملفّاتُ التي تُدار من تحت الطاولة أشبهَ بالمياه التي تجري من تحت مَنْ يحاولون الاحتفاظ بـ«صلفهم الأجوف» ومكابراتهم، وينؤون بأنفسهم وشعوبهم ومصالحهم بعيداً خارج لعبة الأمم، ويكون «ضربَ مَنْ ضرب وهربَ مَنْ هرب».