أيها الأعزاء اسكنوا ما بين القلب وشغافه ؟

قاسٍ هو العوز، وسيكون أقسى متى يصوّب على الضعفاء والدراويش. هكذا باتت آلاف العوائل السورية في ثنايا زلزال عابر يفترشون التراب .
وما بين لحظة ولحظة تمرّ وشائجُ وذكريات كأنها حبلُ صرّة حميم، وتسمع قصصاً تئن نبضاً وحزناً وهي تحكي ما جرى ليلة السادس من شباط، الكاميرات تدور في المكان، وحيث يكون الصوت يتردّد صداه في جنبات ركام وأبنية متكسرة ثم تنطفىء الأضواء ويحلّ العتم .
حزنت دمشق وقاسيونها، والحزن لا يغني من جوع.. نلملم الجراح ونجمع ما بقي في قلوبنا من جمرات حب ونمضي ونسيّر قوافل وتراهم في كل مكان يؤثرون على أنفسهم.. نحو الأهل والأحباب والأطفال والمصابين وأبناء الوطن الواحد.. أخرج نفسك من قمم الشّح.. ولو أنها شربة ماء.. تنعش كبداً ظمأى احترقت بلظى الكارثة.
«نسلّم بقضاء الله وقدره، وفي الروح يرقد الأسى ويعظم الحزن، على فقد المأوى وصور الأحبة حيث كان النوم بأعين مغلقة.. اليوم بات الناس في مراكز الإيواء ينامون كالأسماك بعيون مفتوحة ..
لابدّ من الخروج من صدفة الحزن مهما كان نتوء القلب موجعاً، لابدّ من الخروج من المشهد الكارثي الذي شكل فاجعة حزينة، أليمة، لم نكن نتوقّعها.
ولئن رحل الألم مع هبات ريح باردة، فلا تزال تغطي سماءنا سحابة بيضاء، تنهمر إرادة وأملاً من أجل عيون صغيرة تبحث هنا وهناك عن فرصة حياة، في ألف شكل وحلم.
في مجتمعنا المتعب.. والذي يليق به الفرح..هل عشت تجربة أن تبذل جزءاً صغيراً من مالك لتحل عقدة ضيق تلتف على عنق إنسان ما؛ قريب أو جار أو صديق، إن سعادة العطاء لا يشعر فيها إلّا من بذل بعضاً من روحه في وجه خير.. سعادة تفوق إنفاق آلاف الليرات على الشهوات والملذات.. ستشعر بقيمتك وأنك كنت سبباً في جبر قلب كسرته الحياة القاسية.. فيمتلىء قلبك بالسعادة والطمأنينة والسكينة وكأنه برأ من صدأ الأنانية واللهاث وراء شعور عابر إلى لحظة رضا حقيقية ..
لا شك في أن إصلاح مجتمعنا بات مرتبطاً بإصلاح حياة الناس وتأمينهم بكرامة العيش.. وتنظيم العمل الخيري حسب الاحتياجات وتأمين السكن البديل بشروط ميسرة وسرعة في الإعمار ..
الدول الصديقة والشقيقة لم تبخل بالمساعدات والطائرات المحملة بمواد الإغاثة.. لكن المطلوب أكثر من علبة حليب وقطعة خبز، بات المطلوب إعادة إعمار بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى .
وهذا لن يتحقق إلّا بعزم وحزم وإدارة وأخلاق تدير ما يصل من مساعدات وتدفقات مالية بالكثير من الحرص لنظّل الناس بسقف كرامة, ومن ثم ندعو الجميع؛ السوريين والمغتربين والأشقاء والأصحاب والمنظمات الإنسانية إلى إعادة إعمار وبناء ما تهدم من الزلزال أو الحرب. وفق خرائط مكانية وجداول زمنية, ولا شك في أن هناك الكثير من الأمور ذات الأولوية تحتاج إلى إنفاق وبسخاء على الأبنية المتضررة والمدارس والمشافي والخدمات والبنى التحتية والبيوت المتصدعة والأراضي المتضررة, وحبذا بالمستثمرين ورجال الأعمال و التجار المبادرة بمشاريع استثمارية عاجلة وداعمة يكون الربح منها كربح العقال من الجمل، ومن ثم تخفيض الأسعار رأفة بمجتمع مكلوم مأزوم.. اليوم لم تعد الخيارات كثيرة ولا مناص من إعلان.. إعادة الإعمار، ولكل من يضيء شمعة تحية محبة، وباقة زهر، وإكليل غار. .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار