قافلة تحمل فكراً وأخلاقاً للمنكوبين!
استيقظت لأدرك أنني فقدت كل شيء بدقيقة واحدة، لا منزل ولا ملابس ولا نقود ولا شيء على الإطلاق.. أنا عاجزة عن الكلام وفقدت أي أمل في العيش بعد الآن”.. أمام هول الكارثة الإنسانية ستجد أصحاب الضمائر الشريفة يهبّون لتقديم الدعم والمساعدة.. كما ستجد بعض ضعاف النفوس يتصيدون منفعة لهم من المتاجرة بأحزان المتضررين ومصائبهم .
وبينما تهبّ القوافل تحمل المحبة والمؤازرة لتغيث حياة وتنعش فرصة أمل .. تجد الطمأنينة والرضا تملآن قلوب المحبين الطيبين .. وفي مقلب الضمائر الفاسدة تجد القلوب تضطرب خائفة مذعورة قلقة تحسب كل حركة ولفتة صيحة عليها.. كل يحصد زرعه.
في حضرة الصمت.. أنظر إلى الأفق.. أهرب إلى صحراء جرداء وثمة قبيلة منكوبة.. تلوح القافلة من بعيد معلنة عنها سحابة من غبار أحسب أول من شاهدها زرقاء اليمامة جمعت الرجال من حولها قالت: ماذا تأملون أن يكون حملها؟! قال إعرابي لو أنها تحمل كنوزاً من الذهب والفضة لانتعشت أحوال القبيلة وعاشت برخاء !
قال فارس وهو منتشٍ بالنصر: لو أنها تحمل العتاد والعدة لأصبحنا أقوى القبائل وهابنا الجميع !
قالت أم لصبية صغار: لو أنها تحمل الطعام والطيبات فما بقي في القبيلة جائع أو محتاج !
وسأل الحكيم زرقاء اليمامة: ماذا كنت تحبين أن تحمل هذه؟
قالت: لو أنها تحمل رجالاً أشداء في الحق، رحماء على المساكين لكان في ذلك صلاح القبيلة وإنقاذها، وكل من حولها، وهذه مسؤولية لا يقدر عليها الضعفاء والمساكين، وإنما ينهض بها الرجال الأمناء الأقوياء بالحق، الذين يعيشون عدلاً.
في ذلك اليوم كتبت زرقاء اليمامة فوق كثبان الرمال:
أيتها الحياة الجميلة بما فيها من مفاجآت وتقلبات.
أيتها الدنيا الحلوة حيناً والمرة أحياناً.
أيتها البشرية التي تجنح للملائكة مرة، وللشياطين ألف مرة.
أيتها العيون التي تنتظر بسمة الفجر من وراء جلابيب الظلام.
أيتها القلوب التي ترتعش أحلامها في عالم الرعب والحرب.
لا تتأملوا من جحافل الظالمين وقفة عدل، ولا تتهافتوا على أهوائكم تهافت الجراد على الزرع، وعليكم إذا أردتم صلاح شأنكم والعالم من حولكم أن تنشئوا جيلاً أقدامه في الأرض وأحلامه في السماء، يفكر بالقيم والأخلاق قبل أن يفكر بالأهواء والشهوات، ويترفع عن سفاسف الأمور ومفاسد الأخلاق، فلا صلاح للحياة إلّا بصلاح أهلها، ولا يصلح أهلها إلّا بصلاح عقولهم وأفكارهم.