القرار الأمريكي بإعفاء الجوانب الإنسانية من العقوبات.. يؤكد شمولها حتى رغيف الخبز
تشرين- يسرى ديب:
تجاوزت العقوبات في مضمونها وعدم شرعيتها قانون الغاب الذي يأكل فيه القويّ الضعيف، عقوبات تقوم على مبدأ “البلطجة”، حيث تسمح دولة أو مجموعة دول لنفسها أن تفرض عقوبات على أشخاص وجماعات ودول ذات سيادة خارج إطار المنظمة الدوليّة والقانون الدولي.
دبلوماسي سابق: هل تحتاج الدول التي تفرض العقوبات على سورية إلى مشاهدة صور كلّ تلك الأجساد المصلوبة تحت الركام لتنزاح الغشاوة عن أعينهم؟
وفي قراءته لقرار رفع العقوبات الجزئي والمؤقت عن سورية يضيف الدبلوماسي السابق الدكتور أيمن علوش لـ ” تشرين” أن ما تذكره الولايات المتّحدة بأن العقوبات لا تشمل الجوانب الإنسانية هو محض افتراء، وقرارها بعد وقوع الزلزال بإعفاء الجوانب الإنسانيّة من العقوبات لمدة ١٨٠ يوماً يؤكد أن العقوبات لم تترك جانباً لم تشمله، وصولاً إلى رغيف الخبز اليومي.
وأشار علوش الدكتور في السياسة الدولية إلى أن هذه الدول تستغلّ قوتها العسكريّة والاقتصاديّة والإعلامية وتاريخها الاستعماري لفرض وتطبيق هذه العقوبات التي تطول بشكل أساسي المواطن واحتياجاته الأساسيّة من غذاء وطبابة ورعاية صحيّة، وأن تفرض على جميع دول العالم الالتزام بهذه العقوبات بالتهديد والوعيد.
توحش لا مثيل له
أضاف علوش: العقوبات على سورية ليست بجديدة، ولكنّها وصلت إلى مرحلة من التوحّش ليس لها مثيل، عقوبات لم تترك مجالاً من مجالات الحياة لم تستهدفه، عقوبات جعلتنا نكفر بكلّ قيم الديمقراطية، وحقوق الإنسان والمنظمات الدولية والعقائدية ووكالاتها وهيئاتها والقانون الدولي والشرعيّة الدوليّة، عقوبات يحتاج توصيفها إلى أكثر من الدم الذي بقي في أجساد السوريين.
انتظروا الإذن
وقال الدبلوماسي علوش: وقع الزلزال، وانتظرت الدول الإذن الأمريكي لتبني موقفها.
كانت في البداية مساعدات خجولة، باستثناء عدد من الدول التي لم يثنها الضوء الأحمر عن أن تكون حاضرة في المناطق المنكوبة، حضرت بفرق الإغاثة وأساطيل الشاحنات والصهاريج والطائرات لتحطّ في مطارات الجمهورية العربية السوريّة بأطنان المساعدات، ومع مرور الوقت اتسعت الدائرة مع مشاهد الألم التي تدمى لها القلوب، لتسقط مع ذلك صفحات كثيرة من قانون العقوبات الأمريكيّة والأوروبيّة منعت وصول فرق الإغاثة ومعدّاتها مبكراً إلى سورية، ومنعت وصول المساعدات الإنسانيّة إلى المطارات السوريّة بالسرعة المطلوبة، ما اسهم في زيادة عدد الضحايا وزيادة آلام الناجين.
زادت الألم
وبيّن علوش أن إجراء مقارنة بسيطة بين عدد طواقم الإنقاذ والمساعدات التي وصلت إلى تركيا وتلك التي وصلت إلى سورية، آخذين في الحسبان شدة الزلزال في كلا البلدين، يجعلنا ندرك أن العقوبات ساهمت في رفع مستوى الألم السوري إلى مستويات قياسيّة، وخاصّة في ظلّ الظروف الصعبة جداً التي يعانيها المواطن السوري، وهي أيضاً نتاج العقوبات على الشعب السوري..
تحت التهديد
واليوم يتثبت لدينا بعد معاناة سنوات، ومن تجربة الكثير من الدول التي تعرضت للعقوبات أنّ العقوبات شكل متوحش من أشكال الاستعمار بسبب استنسابيّتها وطريقة فرضها وتطبيقها، بل إنها تجمع بين كافّة أشكال الاستعمار، ليس فقط لأنها تطول كلّ جوانب الحياة في الدولة التي فرضت عليها العقوبات، وإنما على جميع الدول الأخرى لإلزامها على تطبيق العقوبات على الدولة المُعاقبة تحت التهديد.
تحت الأنقاض
وتساءل علوش فيما إذا كانت الدول التي تفرض العقوبات على سورية بحاجة إلى مشاهدة صور كلّ تلك الأجساد المصلوبة تحت الركام لتنزاح الغشاوة عن أعينهم؟
أو فيما إذا كانوا بحاجة إلى كلّ ذلك الأنين من تحت الأنقاض ليصل الصوت إلى مسامعهم؟
ويضيف: هو الصراخ نفسه خلال سنوات الحرب على سورية، صراخ من الإرهاب، صراخ من القتل، صراخ من الدمار، صراخ من التهجير، صراخ من الفقر والألم والعَوز، صراخ من مطرقة العقوبات الأمريكية اللا أخلاقية واللاشرعيّة وسندان العروبة والجيرة والأخوّة. صراخٌ من مطرقة قيم الديمقراطية وهي تطحن الإنسانية أمام أعيننا لما يزيد على عقد من الزمن.
هل وهل؟
هل أُخبركم عن أحوال الناس في سورية؟ هل أخبركم كم بات الإنسان مشرداً في بيته، وفي وطنه وفي كلّ ركنٍ من أركان الأرض دفعه إليه حرصه على سلامته وسلامة عائلته؟
هل سمعتم وشاهدتم وقرأتم ماذا فعلت بهم العقوبات؟
هل أخبركم كيف بات طعامهم ولباسهم وتعليمهم وطبابتهم وتفاصيل حياتهم؟ هل أخبركم عن الشعب الذي بارك الرسول الكريم أرضه بقوله “اللهمّ بارك لنا في شامنا”؟
الشجر والحجر
لقد طالت العقوبات على سورية البشر والشجر والحجر، فكان لا بدّ للأرض من أن تصرخ في وجه العالم مذكّرة بشعب بات خارج حدود الإنسانية.
لا بدّ من صوت موحّد يرفعه كلّ أبناء الشعب السوري والعربيّ وكلّ إنسان في كلّ مكان يقول: أوقفوا سياسة العقوبات والحصار لأنها أبشع أدوات قتل الشعوب، وخاصة الفقيرة منها
وفي سياق تجارب مماثلة يقول علوش: من منّا لا يتذكّر ماذا فعلت العقوبات بشعب العراق؟ وكيف انتهى الأمر بأرضه وثرواته وطاقاته البشريّة؟ من منّا لم يسمع عن أنبوب كولن باول وسلاح التدمير الشامل الذي تمتلكه العراق ليُبنى على أساسه قرار تدمير العراق الشقيق والذي باركته كل “دول الديمقراطية” لتأتي بعدها سكين “داعش” لتزرع الأرض خراباً.
لقد كذّب العالم المتحضّر على القارة الإفريقيّة بمصطلح ” التنمية”، حيث وجد الأفارقة أن سياسات التنمية لم تزدهم إلّا فقراً في حين انعكست مزيداً من النمو على الدول الغربية، فطالبوا “بتنمية بوجه إنساني”، وإذا كانت قيم الديمقراطية تتقبّل أن نعاني كشعب ما عانيناه فإننا بأمس الحاجة لطرح مفهوم “الديمقراطيّة بوجه إنساني”.
كفاكم
في جميع الأزمات لا تنتهي الحرب بمنتصر، مادام هناك من له مصلحة باستمرارها، والمستفيدون من استمرار الأزمة السورية كثيرون، وما العقوبات على سورية إلّا شكل متقدم من أشكال إطالة أمد الأزمة السورية، ومعاناة المواطن السوري، ولكلّ هؤلاء يجب أن نقول:
كفاكم اعتداءً على إنسانيتنا و وجودنا، كفاكم استثماراً في وجعنا وآلامنا، كفاكم انتهاكاً لأرضنا وسرقة ثرواتنا..
لا بدّ من صوت موحّد يرفعه كلّ أبناء الشعب السوري والعربيّ وكلّ إنسان في كلّ مكان يقول: أوقفوا سياسة العقوبات والحصار لأنها أبشع أدوات قتل الشعوب، وخاصة الفقيرة منها.
قرب القلوب
ويشير علوش إلى أن الزلزال الذي عادة ما يُبعد الأماكن عن بعضها أراه قد قرّب القلوب، ولا أعتقد أنّ الشعب السوري قد توحّد في مشاعره منذ وقتٍ طويل كما توحّد بعد الزلزال، وما نتج عنه من ألمٍ وقهرٍ وتقصير من المجتمع الدولي في الوقوف معهم كما يجب في هذا الوقت العصيب.
ويختم حديثه بالإشارة إلى أن الشعوب العربية انتصرت لمأساة إخوتهم السوريين، فهل ستنتصر بعض الدول العربية المترددة لإرادة شعوبها بكسر الحصار عن الشعب السوري وعودة سورية إلى محيطها العربي.
هذا ما تقوله المقدمات، ونرجو أن يصل إلى نهاياته بسورية لكامل أهلها على كامل أرضها.