مستثمر يطالب بتحرير قطاع استراتيجي «إلا قليل».. و«المالية» تعد بتشريع إنقاذي وشيك
تشرين-بارعة جمعة:
ربما لم يعد يحالف الحظ أحداً منا في اقتناء حاجاته اليومية من الغذاء، ليس حباً بالتحول لنظام غذائي صحي خالٍ من الدسم والدهون أو اتباع نمط مختلف عما اعتاده، بل تماشياً مع حالة السوق الذي لم يعد قادراً على تلبية احتياجات الفرد من السلع، التي بات اليوم معظمها ضمن دائرة الكماليات، كاللحوم بأنواعها وصولاً لبيض المائدة، الذي وفق نشرات التسعير اليومية لا يزال ضمن أفق الارتفاع غير المحدود، ما جعل هذا القطاع الأكثر صعوبة في تأمين حاجة السوق من منتجاته التي تشكل حلقة أساسية من حلقات المستهلك اليومية، ليغدو اليوم خارج حسابات السوق منها.
أسباب موجبة
ولأن الحديث عن ارتفاع الأسعار بات شبه يومي، بل تعدى لغة الكلام للتحليل في متطلبات السوق من شروط العمل الصحيح ضمن بيئة من المفترض أن تشكل حالة جذب للمستهلك أولاً وللمربي ثانياً، لا تزال مسألة الارتفاع عالقة ضمن الخلل الكبير بين العرض والطلب من وجهة نظر مدير عام المؤسسة العامة للدواجن الدكتور سامي أبو الدان، الذي أكد في تصريحه لـ”تشرين” بأن ما يواجه الدواجن ينسحب بشكل رئيس على غلاء الأعلاف وندرة تواجدها، وصعوبة تأمين متطلبات التدفئة من مصادر الطاقة (كهرباء ومازوت وفحم حجري)، ما جعل من فكرة الانسحاب لدى المربين من ميدان التربية وتنسيق القطعان لتلافي الخسائر الحل الأفضل بالنسبة لهم.
أبو الدان: عدم توافق تسعيرة التجارة الداخلية مع التكلفة الحقيقية للمنتَج هو السبب الرئيس لحصول الأزمة في قطاع الدواجن
إلّا أنه وأمام هذه الإجراءات لابدّ أن تنعكس هذه الحالة على توازن السوق حسب توصيف أبو الدان، الذي يعاني من اختلال في معادلة البيع والشراء بين نقص الإنتاج وما يقابله من نقص بالعرض الذي سيسوق حتماً لزيادة الطلب ما يفضي لارتفاع السعر، ليبقى عدم توافق تسعيرة التجارة الداخلية مع التكلفة الحقيقية للمنتَج الدور الأكبر في حصول هذه الأزمة على حدّ تعبيره.
تحذيرات مسبقة
فما حدث اليوم لم يكن وليد اللحظة بل نتيجة تراكمات سابقة وتحذيرات أطلقتها لجنة مربي الدواجن وفق ما أكده المستثمر أنس قصّار، فما يعيشه هذا القطاع برأيه من تداخل بين الجهات المشرفة عنه وتشبث بالرأي من هذه الأطراف، ولاسيما التسعيرة المنخفضة من التجارة الداخلية وعدم سعيها لتأمين مدخلات الإنتاج بأسعار مقبولة كانت أحد هذه التراكمات، عدا عن إهمال تأكيداتنا لها في أحد الاجتماعات لعدم توازن التكلفة التي بلغت 7500 للفروج أمام المبيع بـ5500 ليرة فقط، ما عرّض المزارع لخسائر بنسبة 30 إلى 35% من رأس المال من دون تلقيه أي مساعدة من أي طرف.
القرارات دائماً متأخرة وبعد حدوث الكارثة والتاجر المتهم الأول في غلاء المواد
فالقرارات دائماً متأخرة وتؤخذ بعد وقوع الكارثة برأيه، والحل يكمن في تحرير القطاع للاستفادة من التطورات الاقتصادية التي تجري حول العالم، عدا عن مسألة استيراد مدخلات الإنتاج لفئة معينة وبآلية معينة التي يجب تعديلها لاستقطاب مستثمري الخارج، وأمام الحصار والعقوبات لابدّ من العمل على إيجاد قوانين ليّنة لتوفير سلعة رخيصة للمستهلك.
قصار: ما حدث لم يكن وليد اللحظة بل نتيجة تراكمات وتحذيرات سابقة أطلقتها لجنة مربي الدواجن
كلف عالية
وإذا ما نظرنا بعين الواقع سنجد بأن كل ما يحويه السوق من مواد ارتفعت بين الـ4 إلى 5 أضعاف، إلّا أنه عند الوقوف عند غلاء الدواجن، ستُوجه الاتهامات فوراً للتاجر، الذي بات الأكثر عُرضةً لحمل مسؤولية القطاع من وجهة نظر المستهلك حسب رؤية المستثمر وعضو لجنة الدواجن “أنس قصّار”، الذي طالب من خلال حديثه لـ”تشرين” بإلغاء التسعيرة، فما يحتويه القطاع العام من تسهيلات من حيث العلف والمازوت، إضافة لمبادرة رفد الدولة للمؤسسة العامة للدواجن بـ800 مليون ليرة، والتي تم تحديد التسعيرة وفقها قياساً بسعر صحن البيض الذي قُدّر بـ 13500 ليرة، أمام تكلفة الصندوق البالغ 12 صحناً والذي قاربت تكلفته الـ200 ألف، و3 آلاف ليرة من مندوبة السورية للدواجن، والذي يعدّ مدعوماً، يبقى السؤال هنا.. ما هو حال القطاع الخاص إذاً؟
وهنا لابدّ من التوجّه برأي قصّار للاعتماد على الشركات الخاصة في استثمار قطاع الدواجن، لكون كافة تجارب الاعتماد على القطاع العام سابقاً تم إلغاؤها، بما فيها تجربة الاتحاد السوفييتي، لتبقى القوانين برأيه العائق الأكبر في استثمار الشركات الكبرى في البلاد.
عزوف المربين
وأمام كل معوقات العمل التي دفعت الكثير من المستوردين للأعلاف بالعزوف عن الاستيراد، تبرز برأي قصّار أهمية التعاون بين الجهات الحكومية في تطوير القوانين، بما يتلاءم مع الواقع، فتجار الصويا لم يستوردوا كميات كبيرة لتأمين الزيت والكسبة، كما أن المستوردين الكبار اكتفوا بكميات محدودة بسبب المنصة، ما جعل القرارات الاقتصادية الأخيرة كفيلة لبقاء قطاع الدواجن وكل القطاعات الأخرى عقيمة برأيه.
كلّ تجارب الاعتماد على القطاع العام تم إلغاؤها.. والقوانين العائق الأكبر في استثمار الشركات الكبرى
فالحديث عن تحرير الأسعار هو أمر جيّد برأي قصّار، ويجب تطبيقه على الدواجن والفروج وغيرها، إلّا أنه في الوقت ذاته لم يتم العمل على بناء الثقة بين مستثمر القطاع الخاص والحكومة والإدارات المعنية، التي لا تزال تعمل بعقلية البيروقراطية القديمة، ما أدى لقرارات غير متوازية مع تطور الوقت، والتي لا تزال تشكل قلقاً لأي مغترب قادم مع أمواله إلى البلاد، والذي بات اليوم بمنزلة الداعم للاقتصاد المحلي، إلّا أنه لا يزال يتعرض للتفتيش والمُساءلة لحين وصوله دمشق.
والجميع اليوم قادر على تجاوز هذه العقبات، التي تستلزم إعطاء اللامركزية لكل مؤسسة ضمن الوزارة التابعة لها، والتي ستُنشئ برأي قصّار مرحلة إبداع بالقطاع العام، لا تقل عن أهمية الإدارة بالقطاع الخاص، فالعمل المؤسساتي قديم ويحتاج إصلاحاً، بما يتلاءَم مع الظروف الراهنة والإمكانات المتاحة.
إجراءات إسعافية
لطالما كان توافر الخلطة العلفيّة هو أكثر ما يُقلق المربي، والتي تعتمد بشكل رئيس على الذرة وكسبة الصّويا، الأمر الذي تم النظر إليه ضمن خطة توسعيّة بالتعاون بين وزارة الزراعة واتحاد غرف الزراعة واتحاد الفلاحين لزراعة الذرة، والتي أثبتت نجاحها برأي قصّار، من خلال إنتاج أكثر من 500 ألف طن ذرة في وقت لم يصل إنتاج المواسم السابقة لـ200 ألف طن، والذي بدوره انعكس على تخفيض سعر الذرة بنسبة 50%، ما يبرر انخفاض أسعار البيض والفروج بين الشهر 9 حتى رأس السنة، ليعاود الارتفاع مجدداً تماشياً مع ارتفاع سعر الصرف والخلطة العلفية، التي تأثرت بانتهاء الذرة المُنتَجة محلياً، ليعود شراء الذرة المستوردة بضعف سعر المحلية، وبالتالي ارتفاع التكاليف وقلة الطلب والإنتاج، ما عرّض المُنتِج لخسائر كبيرة.
وهنا لا يمكننا القول إنّ ما تم العمل به هو بمنولة الحل برأي قصّار، إنما هو إجراء معيّن لتأمين المستوردات من الأعلاف بأسعار مدعومة إلى حدٍّ ما، أمام صعوبة تأمينها من القطاع الحكومي، ولولا التوسع بزراعة الذرة، لكان الارتفاع بالفروج قد بلغ ذروته منذ 4 أشهر، فالإجراء خفف من الصعوبة ولكن لم ينهها.
واليوم أمام كل ما يعترض هذا القطاع من صعوبات، بتنا الأحوج ضمنه برأي المستثمر وعضو لجنة الدواجن أنس قصّار إلى العمل بمنظور الاقتصاد الحر والانفتاح، الذي سيُجبر التاجر على تخفيض سعره، لكون المادة لم تعد حكراً عليه، والعمل على تسهيل القوانين والتشريعات وتبسيطها وجعلها مُتاحةً للجميع، وغض الطرف عن الجميع لتوسيع الاستيراد، الذي سيعيد دوران عجلة الاقتصاد والتصنيع، وبالتالي تنشيط التصدير.
مسؤولية مشتركة
وفي سبيل الوصول لصيغة عمل واضحة، تضمن الخروج بأقل الخسائر للمربي، ولضمان نتائج ترضي الأطراف كافة، والتي كان أبرزها الاجتماع الأخير مع الهيئة العامة للضرائب والرسوم، التي تم من خلالها مناقشة ماصرّح به وزير المالية عن الإعفاء من الضرائب لقطاع الدواجن حتى إشعار آخر، يؤكد قصار إيجابية التواصل الذي يحوي بين سطوره الالتزام بهذا التوجيه، والذي أتى وفق تصريح مدير عام الهيئة العامة للضرائب والرسوم منذر ونوس ضمن مشروع القانون المتضمن تعديل قانون الضريبة على الدخل رقم 24 لعام 2003، والذي وفق تأكيدات ونوس لـ”تشرين” تمت الموافقة عليه من الحكومة وإحالته إلى مجلس الشعب، مُتضمناً إعفاء قطاع الدواجن من الضريبة على الدخل ابتداءً من عام 2022 وما بعد.
ونوس: الموافقة على تشريع جديد يمنح مربي الدواجن إعفاءات ضريبية حتى إشعار آخر
كما تم ضمن مشروع تعديل قانون الضريبة على الدخل رقم (24) لعام 2003 اقتراح إعفاء الأرباح السنوية الصافية لمنشآت المباقر والمداجن لأعمال عام 2022 وما بعد، من خلال تعديل البند (9) من الفقرة (أ) من المادة (4) من قانون الضريبة على الدخل رقم (24) لعام 2003.
وأمام كل ما يُثار في مسألة قطاع الدواجن الذي بات يحتضر وفق تأكيدات القائمين عليه، يبقى لنا السؤال… إلى متى سيبقى المستهلك رهن فوضى التكلفة العالية والتسعير؟! وهل بات المربي الحلقة الأضعف ضمن هذا القطاع بالذات؟