خسارة مركبة!
قبل بداية العام بحوالي أسبوع، عقدتُ اجتماعات عائلية مكثفة، واستنفرت أفراد الأسرة بعد توزيع المهام لكل فرد منهم، وأعطيت تعليمات صارمة مؤطرة بعقوبات قاسية لكل من يتهاون في تنفيذ مهمته..
كان نصيب سيدة المنزل من المهام أن تجمع أكبر عدد من أكياس (الجنفيص) المتينة وكباكيب الخيطان والمسلات، وعلى ابني الأكبر وأخواته فتح حسابات مصرفية في جميع المصارف الحكومية حصراً، ومن دون فوائد خشية من أن يعدّها البعض ربا يذهب بركة المال..
وجلست أنا في (العلية) وبجانبي الكثير من الأقلام والدفاتر أدون فيها أسماء الأسر المحتاجة والتي ينكد عيشتها هذا الغلاء الأسود.. كنت أتابع يومياً تبدلات أسعار المواد والسلع وخاصة الأساسية منها وأحسب الكميات التي يجب أن نشتريها من كل مادة، وفي كل يوم جديد أشطب ما كتبته بناء على ارتفاع سعر المواد.. حيناً تنخفض الكمية وحيناً ترتفع شعرة صغيرة كما يقولون في السوق.. وحدها الخضار المنتجة محلياً هي التي حافظت إلى حدّ مقبول على أسعارها، مع اشتداد الطلب عليها لمناسبة سهرة رأس السنة..
في كل يوم تقترب السنة من نهايتها، كان القلق يزداد، والتوتر على أشده.. (قطعنا) رأس السنة بخير وسلامة، وبدأنا نترقب الليلة العاشرة منها، حيث يوم الثلاثاء.. وحيث (سحب) رأس السنة.. دارت الدواليب من الأول، وتباعاً حتى الدولاب السادس.. نمرة وراء أخرى.. وورقة وراء أختها، ونحن نبحلق بالأوراق، وبدواليب الحظ، ولم يكمل سعدي، ولا سعد أولادي..
كان في نيتي أن أملأ المصارف الحكومية بحسابات بأسماء أولادي، وما يزيد عنها أحفظه في أكياس الجنفيص، وما يزيد عنها نويت أن أشتري موادَّ وسلعاً للمعوزين فقط أوزعها عليهم باسم فاعل خير بعد أن أقسمت ألّا أسمح لأحد بتصويري وأنا أقدم هذه المعونات وأنا أكشر حتى يلاحظ الجميع أنني ابتسم فقط ومن باب المجاملة..
لم أحدثكم عن الاستثمارات التي نويت إقامتها؛ معامل ومصانع، مداجن للبيض والفروج، ومباقر لتسمين العجول وأخرى لإنتاج الحليب..
بعد الانتكاسة التي منيت بها بخسارة خمسة “أنصاص” من أوراق اليانصيب تذكرت أن ارتفاع أسعار الأعلاف يتجاوز سرعة الرياح، وأن مجرد التفكير بترخيص المدجنة والمبقرة والمعامل في طرطوس مثلاً مطوق بكمٍّ كبير من البلاغات التي تجعل من ترخيص مكبس للبلوك من المحال.. حمدت الله وشكرته على خسارتي في اليانصيب ولم تتطور إلى خسارات أخرى كنت سأندم عليها!.