أسواق السلع المستعملة تزدهر.. والبحث عن الأرخص أهم الأسباب ويدعمه انتعاش التجارة الالكترونية
تشهد الأسواق الشعبية ارتفاعاً بنسبة استهلاك المنتجات المستعملة بدءاً من الثياب وانتهاء بالموبايلات والكمبيوترات ومروراً بالمفروشات والكهربائيات وغيرها، ويبدو حسب بعض الخبراء أن الاتجاه الراهن لمزيد من التوجه لشراء السلع المستعملة مدفوع بالأساس بأزمة تكلفة المعيشة والتضخم، حيث يبحث المتسوقون بشكل متزايد عن بدائل أرخص، أضف إلى ذلك انتعاش التجارة الإلكترونية، وهذا يجعل عدداً من المستهلكين يتمتعون بالقدرة على بيع منتجاتهم من دون الذهاب إلى الأسواق وما يسببه ذلك من حرج اجتماعي للبعض، كما يتمكن المشترون من القيام بعمليات الشراء من دون أي حرج اجتماعي، أيضاً بأنهم يشترون سلعاً مستعملة”.
يعتقد بعض الخبراء أن الأعوام الأخيرة شهدت ما يمكن وصفه بإعادة ترشيد نزعتنا الاستهلاكية، فاليوم وأكثر من أي وقت مضى نشهد تحولاً تعمل فيه مزيد من الشركات نحو ما يعرف بالاقتصاد الدائري الذي يمثل فرصة عمل بقيمة 4.5 تريليونات دولار، حيث يتم الحفاظ على النزعة الاستهلاكية للمواطنين، لكن عبر التحول من شراء الأشياء الجديدة إلى دعم إعادة الاستخدام والإصلاح وإعادة البيع، باختصار وبالتعبير الدارج؛ ازدهار سوق السلع المستعملة.
في هذا الإطار، خلص تقرير إلى أن التحول القوي في تصور المستهلك للسلع المستعملة أدى إلى ازدهار بقيمة 180 مليار دولار في شراء وبيع المنتجات المستعملة، وتقفز هذه السوق إلى 2.4 تريليون دولار إذا أدخلنا فيها سوق السيارات المستعملة، ويحدث التركيز على شراء السلع المستعملة عبر قطاعات متعددة، فسوق الملابس المستعملة يبلغ عالمياً 79 مليار دولار والإلكترونيات 47 مليار دولار.
وتعد النزعة الاستهلاكية نزعة متأصلة في سلوكنا المعاصر، وبغض النظر عن أسباب تلك النزعة ودوافعها، فالمؤكد أن الاقتصاد الحديث والآليات المساندة له مثل الدعاية والإعلان تعمل على تعزيزها، ولا يتجلى هذا السلوك النهم نحو الشراء والاقتناء في أي وقت من أوقات العام، مثلما يظهر في موسم العطلات والأعياد.
في العديد من الدول، ارتفعت مبيعات التجزئة للعطلات من 400 مليار دولار في 2000 إلى 730 مليار دولار في 2019 إلى نحو 900 مليار دولار العام الماضي، وبصفة عامة يمكن القول إن اتجاهات الاستهلاك العالمي آخذة في الصعود منذ سبعينيات القرن الماضي، وستواصل الارتفاع على المدى الطويل.
ويرى البعض في تلك الزيادة المطردة في مبيعات التجزئة على المستوى العالمي مؤشراً جيداً ودليلاً على نمو مستمر للاقتصاد الدولي، وعلى تحسن مستوى معيشة المستهلكين باعتبار أن الشراء دليل قوي على توفر الأموال في أيدي المواطنين.
وبغض النظر عن البحث في أبعاد الفلسفة الاستهلاكية للاقتصاد المعاصر وإلى أي مدى يمكن عدّها مقياساً أو معياراً لتحسن مستوى المعيشة، فإن الوعي العالمي بالتحديات والضغوط التي تواجه موارد كوكبنا، قد وضع تساؤلات حول صحة النزعة الاستهلاكية السائدة في الاقتصاد الدولي.
عالم اليوم سيحتاج إلى مرة ونصف المرة من الموارد المتاحة في الكوكب للحفاظ على نمط استهلاكه الحالي، وباختصار نحتاج إلى موارد أكثر مما هو متاح لدينا للحفاظ على معدلات الاستهلاك الراهنة، ويزداد الأمر خطورة في ظل بعض التقديرات الحديثة التي خلصت إلى أنه بحلول منتصف القرن سنكون في حاجة إلى ضعف الموارد المتاحة الآن، إذا أردنا الاحتفاظ بمستوى معيشتنا الحالي.
وعلى مدار الأعوام الخمسة الماضية يلاحظ أن كبار تجار التجزئة التقليديين باتت لديهم رؤية متكاملة حول الأرباح التي يمكن تحقيقها من فتح نوافذ بيع للسلع المستعملة، ويعد قطاع الملابس من أكثر القطاعات تقدماً في هذا المجال، وباتت بعض شركات التجزئة الكبرى تفتح منصاتها على الإنترنت للتجارة في السلع المستعملة، وشركة علي بابا الصينية نموذج بارز في هذا السياق”.
وأضاف قائلاً، “لكن الجديد في هذا المجال وجود سوق للسلع المستعملة بين الشركات نفسها، وهذا يكشف لنا أننا نقترب من نقطة تحول في سوق المنتجات المستعملة، فالشركات باتت تشتري من نظرائها سلعاً مستعملة لديها وتقوم بتجديدها أو تحويلها إلى منتجات جديدة أو مواد معاد تدويرها أو مواد خام قابلة لإعادة التدوير”.
ومع ازدهار سوق السلع المستعملة عامة، يبدو سوق بيع وشراء المنتجات التكنولوجيا المستعملة في ازدهار ملحوظ، فوفقاً للأمم المتحدة فإن النفايات الإلكترونية هي أسرع نفايات منزلية نمواً في العالم، تغذيها معدلات الاستهلاك المرتفعة ودورات الحياة القصيرة لبعض المنتجات الإلكترونية وخيارات الإصلاح المحدودة.
وتشير الأمم المتحدة في تقرير لها بهذا الشأن إلى أنه في 2019 تم جمع وإعادة تدوير 17 في المئة فقط من النفايات الإلكترونية.
وفي الوقت ذاته، أفاد المنتدى الدولي لنفايات المعدات الكهربائية والإلكترونية بأنه في العام الحالي سيتم التخلص من أكثر من 5.3 مليارات هاتف محمول وحده، وبهذا سيتم التخلص من الذهب، الفضة، النحاس، والبلاتين وغيرها من المواد عالية القيمة والقابلة للاسترداد وتقدر قيمتها بنحو 47 مليار جنيه استرليني.
من ناحيته، يرى المدير العام لشركة الهواتف الدولية التي تعمل في مجال إصلاح المنتجات الإلكترونية خاصة الهواتف، أن هناك عوامل تسهم في انتعاش أسواق المنتجات الإلكترونية بسرعة كبيرة مقارنة بغيرها من القطاعات الاستهلاكية.
وقال في تصريح إعلامي: إن “العلامات التجارية الكبرى في مجال الإلكترونيات تطلق نموذجاً جديداً على أساس سنوي تقريباً، لكن التحديثات التقنية لم تكن مثيرة كما كانت من قبل، وبينما يبحث المستهلكون دائماً عن أحدث وأكبر طراز، يعاني كثيرون من قضية ارتفاع أسعار الإصدارات الجديدة، والنتيجة هي أن الصناعة والمستهلكين يدركون بشكل متزايد أن هناك قيمة في النماذج القديمة شريطة أنها لا تزال تعمل”.
أما رئيس قسم التطوير الفني في فرع شركة “جيك سكواد” العاملة في مجال الإلكترونيات الاستهلاكية، فيعتقد أن المستقبل سيشهد مزيداً من الإقبال على المنتجات الإلكترونية المستعملة، وعلى الرغم من تأكيده بأن ذلك يعود على المستهلك بالفائدة، إلّا أنه يشير إلى أنه يجب الأخذ في الحسبان أن لهذا مخاطرة بالنسبة لشركات التكنولوجيا.
وقال: ” أولاً نمو سوق المنتجات الإلكترونية المستعملة قد تكون له تداعيات سلبية على الأمد الطويل بالنسبة للصناعات التكنولوجية، فالجزء الأكبر من أرباح تلك الشركات التي تمنحها القدرة على تمويل عملية التطوير المستمرة للإبداع التكنولوجي، تأتي من الأرباح المحققة من مبيعات منتجاتها الجديدة، وانتعاش سوق المنتجات التكنولوجية المستعملة، سيضعف مبيعات شركات التكنولوجيا من المنتجات الجديدة، ومن ثم أرباحها وبالتالي الأموال المخصصة لقطاع التطوير، وهذا سينعكس سلباً على قدرتها على طرح منتجات تكنولوجية جديدة بخصائص أكثر تطوراً”.
ومع شعور بعض شركات تجارة التجزئة بالمخاطر الناجمة من تنامي سوق السلع المستعملة عليها خاصة في مجال بيع السلع التكنولوجية الجديدة، فإنها باتت تطرح الآن أنظمة دفع وسداد أكثر تساهلاً لتشجيع الفئات الشابة على شراء المنتجات الجديدة، وسداد أثمانها المرتفعة على أقساط طويلة الأمد ومن دون فائدة، أو أن تتضمن المبيعات الجديدة إمكانية استبدالها بعد عدة أعوام بطراز أحدث مع دفع بعض الفروقات المالية المحدودة، وذلك على أمل وضع حدّ للنمو المتسارع في سوق السلع المستعملة.