محايدة أو مشتركة
لمن في أسرته طفل رضيع، فالحليب بالنسبة له أثمن من كل شيء حتى الذهب، وإن كان لكل منهما قصته مع التلاعب والاستغلال في أسواقنا التي تعجز كل العبارات عن توصيف ما يحدث فيها من فلتان.
صادف أثناء وجودنا منذ عدة أيام في إحدى الصيدليات كثرة مراجعة الآباء والأمهات وهم يسألون عن حليب لأطفالهم، وكان الاعتذار من أغلبيتهم سيد الموقف لعدم توفر معظم ما يناسب أعمار أطفالهم الرضّع، وإن توفر فإن البعض يدفع الثمن مهما كان ويأخذ العبوة ويمشي فرحاً وكأنه ظفر بجائزة، فيما آخرون كانوا يستهجنون السعر الباهظ ويجادلون بشأنه لضيق حالهم، وإما أن ينصاعوا تحت ضغط الحاجة ويشتروا أو يعودوا أدراجهم ليكملوا رحلة البحث لعلّهم يوفقون بوجود المادة بسعر أقل في صيدليات أخرى.
ما ساقه أحد الجيران ممن بأسرته طفل رضيع، أن معظم الصيدليات لا تعرض حليب الأطفال في مكان واضح على الرفوف كما الأدوية والمستحضرات والإكسسوارات، بل تخفيها في القسم الخلفي، وذلك من باب الاحتكار ومحاولة الابتزاز لفرض أسعار باهظة، حيث يتفنن القائمون على الصيدليات بعرض معزوفات تبريرية مفادها أن مستودعات الأدوية لا تسلمهم سوى كمية محدودة منه وبشرط تحميلهم إلى جانبها أدوية الطلب عليها ضعيف، أو أن إخفاءها يأتي لاحتمال رغبة أصحاب الصيدليات بأن يخصوا بها زبائنهم الذين يداومون عادة على أخذ حاجتهم من الدواء من عندهم.
بالعودة للذهب، وإن كان لا يعني الأسر الفقيرة من قريب ولا من بعيد وهمّها الأول والأخير تأمين حليب أطفالها، فإن الصاغة أصبحوا لا يلتزمون في الفترة الأخيرة بالتسعيرة النظامية المعلنة للذهب ويبيعونه بسعر أعلى غير آبهين بأحد، كما أن أجور الصياغة التي يتم تقاضيها مرتفعة وتسن حسب المزاج، بدليل تفاوتها لنفس القطعة بين محل صاغة وآخر، أما موازين الذهب فلا أحد يعلم إن كانت مضبوطة أم لا ؟
المفارقة التي ينبغي التوقف عندها، تتمثل بأن الرقابة على الصيدليات معنية بها نقابة الصيادلة ومديرية الصحة، والرقابة على محال الذهب معنية بها الجمعية الحرفية للصاغة، وأعضاء النقابة ومن يكلفون من مديرية الصحة هم صيادلة فيما أعضاء الجمعية صاغة، والسؤال هنا: كيف سيردع هؤلاء المخالفات التي قد يكونون أنفسهم شركاء بمثلها لكونهم يزاولون المهنة نفسها؟.. وهنا لا بدّ من رقابة محايدة أو مشتركة مع جهات أخرى لضمان عدم تمرير أي مخالفات أو التهاون في التعاطي معها.