بين الفينة والفينة تنظم معارض للحرف اليدوية، تُشغل منتجاتها بأيدي نساء يطمحن لتأسيس مشاريع صغيرة تسند “جرة” معيشة أسرهن في ظل غلاء جنوني، لا يقدر راتبٌ محدود على مواجهته، مع رغبةٍ بإثبات الذات ودخول عالم “البزنس” حتى لو كان من بابه الضيق، لدرجة أنه أقيم مؤخراً في مدينة حلب ثلاثة معارض في الفترة ذاتها مع تكرار ذات الوجوه تقريباً، مع أن كثيرات ينتظرن المشاركة في هذه المعارض والبازارات التسويقية المأجورة، فهي ليست مجانية كما يروج، ولا ننكر طبعاً أن غاية الشركات المنظمة الدعم لكنها تسعى للربح أيضاً.
تربع نساء الحرف اليدوية على عرش المعارض في مدينة حلب والغياب الواضح لمعارض زملائهن الرجال أو أقله المعارض المشتركة، يشير إلى دعم المرأة الراغبة في تأسيس مشروعها الخاص بعيداً عن فكرة التوظيف، لكن هذا الواقع يشكل أحد مفرزات الحرب بعد اضطرار سيدات كثر للنزول إلى سوق العمل جراء فقدان المعيل أو تعرضه لإصابة شديدة أفقدته القدرة على العمل، إضافة إلى طغيان عدد الإناث على الذكور، ما أدى إلى دخول المرأة جميع قطاع العمل بما فيها المعارض، والتي كانت سابقاً حكراً على الرجال، وفي حال حجزت بعض السيدات مكاناً كانت ترتسم علامات الدهشة المحببة والداعمة، وهو ما يستلزم دعماً قوياً للنساء الراغبات بدخول عالم الأعمال عبر المساعدة بالانتقال من العمل في المنزل إلى تأسيس محال أو ورش، بمنح مالية أو قروض ميسرة، تنشط حال المشاريع المتناهية الصغر والصغيرة وتحرك كتلة الأموال الراكدة في المصارف، فاليوم أصبح ضرورياً فكفكة هذه المعضلة بحيث تسهم المصارف مع الجهات الرسمية الأخرى وغرف الصناعة والتجارة في تقديم الدعم المادي والمعنوي لضمان انطلاقة مجدية لهذه المشاريع وتحويلها إلى رابحة تدعم جيوب الأسر والخزينة.
الخروج من ذهنية التوظيف والراتب المحدود صوب تأسيس مشروع خاص لاسيما عند جيل الشباب يتطلب إخراج المشاريع الصغيرة والمتوسطة من إطار الدعم الإعلامي والتوجه صوب إنهاء عقدتها التمويلية عبر تقليل المصارف شروطها التعجيزية وذهنيتها التقليدية، وتفعيل دور مؤسسة ضمان مخاطر القروض، والتشبيك مع الطامحين لإنشاء مشاريع صغيرة مجدية اقتصادياً بغية تسهيل حصولهم على قروض داعمة، فهل سنشهد قريباً حلاً مرضياً يفعّل المشاريع الصغيرة والمتوسطة ويضمن توسيع نطاقها في ظل ارتفاع شهية المصارف لإطلاق حزمة قروض متنوعة أم إننا سنبقى نراوح في المكان ذاته وتكون الخسائر موزعة على الجميع وخاصة اقتصادنا المتعب لاسيما أن هذه المشاريع تعدّ إحدى الوصفات المجربة لإنقاذه من واقعه الصعب.