رسالة المازوت وسرها الغني!
مازال الأمل موجود بانتهاء ما نحن فيه من أزمات خلفتها حرب كونية, طالت كل شيء في حياة المواطن اليومية، وقبلها مكونات اقتصادنا الوطني، وتوسمنا الكثير من الأمل في الإجراءات الحكومية التي تكفلت بالمعالجة طوال السنوات السابقة, وحتى يومنا هذا وفي القادم أيضاً.
إلّا أن هذا التوسم والأمل الذي يخرج من طياته، يكاد لا يولد حتى يموت في مهده ليس لضعف الإجراء، بل للقائمين على التنفيذ وتفسير حيثياته بما يخدم الجيوب و”المطامير” التي تخبأ لوقت (الزنقة) وما يحصل اليوم هو شيء من هذا القبيل, أسئلة يلفظها لسان حال كل مواطن, أزمات مجتمعة مع بعضها (كهرباء– مازوت- بنزين– غاز– رغيف خبز– سكر ورز..) وغير ذلك مما نعانيه من نقص في المواد والسلع الضرورية, لكن أخطر ما في الأمر ثمة من يسرقك وأنت لا تستطيع فعل شيء، ليس لضعف تعاني منه, أو حالة جبن أنت فيها, وإنما فقط “ضغط الحاجة” الذي أوصلك لحالة السكوت، ولن أسميها بآخر لأن كل المعاني تصب في الوعاء نفسه، فكيفما اتجهت تجد الأشخاص نفسهم أو الجهات التي تبتز وتسرق حاجة المواطن, وعلى مرأى ومسمع الجميع، وهنا أورد مثالاً حياً ومن قلب الواقع, “رسالة المازوت” التي تأتي للمواطن بشرى سارة من السماء، في وقت يدهُم البرد فيه كل مواطن, إلّا من توافرت لهم أسباب النعمة, وهؤلاء إما بكد اليمين وهم قلة، أو ممن اعتلوا عرش الأزمة وتاجروا فيها، وتكدست في خزائنهم كل”الأموال..!” وهؤلاء قلة أمام كثرة في المجتمع جعل منهم ضغط الحاجة وقلة الحيلة فريسة سهلة للحرامية وأهل السرقة, وما يحدث في رسالة المازوت شيء من هذا القبيل, رغم الانتظار لشهور على الدور، وانتظار آخر عند الاستلام يقتل الإحساس بالدفء لساعات طويلة إلى أن يأتي حامل الرسالة والمادة (50 ليتراً) وتبدأ معركة الحصول بعد انتظار و”تدافش” ما بين أهل الرسالة، وكثير من الوساطة في عملية التعبئة، إلى أن يمل المواطن, ويصل لحالة “شو بعبي مليح” وهنا تبدأ عملية السرقة من الكمية عند التعبئة، أقلها ليتران وثلاثة من كل رسالة، فكم هي الليترات المسروقة خلال رحلة التوزيع؟ ومن المستفيد منها؟ هل ثمة أشخاص ضمن حلقة معروف بدايتها، ونهايتها متروكة لحسابات ومزاجية أهل الصهاريج؟ أم إنها تعود لخزينة الدولة كحالة توفير من رقبة المواطن فاعلها لا يخشى رقابة ضمير ولا قانوناً؟
هي مشكلة قديمة متجددة بل معضلة، القائمون عليها لا يريدون حلها, وهي بفعل فاعل، حلقة فساد وسرقة من سلسلة رسائل يحمل عددها ملايين الرسائل، وفي كل واحدة سرقة ليتر واحد، وهذا “أقل القليل” فتخيلوا حجم السرقة التي يدفعها المواطن وخزينة الدولة وتذهب لبضعة أشخاص ومن يدور في فلكهم من أهل الفائدة.. لهذا الأمر المشكلة ستبقى قائمة، لأنهم لا يستطيعون التخلي عن مليارات الليرات مسروقة من المواطنين، والحل يأبى أن يولد!
issa.samy@68gmial.com