جريمة العصر التي ارتكبها الغنوشي في سورية
تشرين- د. رحيم هادي الشمخي:
عمِلَ راشد الغنوشي، زعيم ما يسمى «حركة النهضة» الإسلامية في تونس، منذ استلام حركته الحكم عقب انتخابات 23 تشرين الأول عام 2011، على محاولة تسويق صورة ليبرالية مدنية عن حركته، غير أن سنوات حكم الترويكا 2011- 2013 والمواقف من القضايا المصيرية، ولاسيما الموقف من الأزمة في سورية، كشفت الوجه الحقيقي للنهضة، غير ما يتم الترويج له إعلامياً من أجل كسب ودّ الغرب. فقد سُئل الغنوشي في حوار له مع قناة «فرانس24» عن «المقاتلين» في سورية؟ فقال: «إنه لا يعدّ كل من يشارك في الحرب هناك إر*ها*بياً».
وحين غادرت حركة النهضة الحكم في نهاية سنة 2013، تحت ضغط حركة المجتمع المدني التونسي، لم يتغير موقف الغنوشي من الأزمة في سورية، بل حافظ عليه حتى يوم 21 حزيران 2014 على الأقل، وهو التاريخ الذي صرّح فيه لصحيفة «لوفيغارو الفرنسية»، «بأنه يؤيد إرسال إر*ها*بيين إلى سورية»، ويدرك الغنوشي، كما يدرك غيره، أن الأزمة في سورية ليست مواجهة بين قوى ديمقراطية تريد أن تؤسس لجمهورية ديمقراطية تعددية، بل هي جزء من صراع بين حركات إر*ها*بية وتكفيرية، تتلقى دعماً مادياً وعسكرياً من قوى إقليمية معروفة، مثل تركيا وأمريكا والسعودية ودولية أخرى من جهة، حتى باتت الدولة السورية من جهة أخرى، تواجه كل الثقل السياسي والعسكري والاستخباراتي والمالي لعدد من الدول الاستعمارية العظمى والأنظمة الرجعية العربية، بما فيها الكيان الصهيوني مجتمعةً، وتقوم هذه الأطراف بأدوارها المختلفة والمتكاملة بتهريب الأسلحة والإر*ها*بيين وتدريبهم وتسليحهم، وتقدم لهم الدعم اللوجستي والاستخباراتي، وتغطي هذا كله الحملات الإعلامية المسعورة ومحاولات العزل السياسي والدبلوماسي.
الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الإقليميون في الوطن العربي يصفون الوطن العربي بأنه «رجل القرن الحادي والعشرين المريض»، وهم لا يخفون أملهم برؤيته يلقى المصير عينه، الذي لقيه رجل القرن التاسع عشر المريض «الإمبراطورية العثمانية» من تقسيم، غداة الحرب العالمية الأولى.
فإذا كان الغنوشي يحاول أن يسوّق حركة النهضة بوصفها حركة إخوان مسلمين، على أنها حركة تونسية تؤمن بالديمقراطية والحكم المدني الجمهوري، فهو جهرَ بخطاب أيديولوجي يبرر رفع السلاح من أجل ما سمّاه الغنوشي «الدفاع عن الديمقراطية»، في سورية وليبيا نموذجاً، والديمقراطية من وجهة نظر الغنوشي هي الحكم على أساس «عدم تحريم ما حلله الله وعدم تحليل ما حرّمه الله»، ففي السياسة الحلال والحرام!، ومن هنا يسقط مبدأ الجمهورية الديمقراطية وقيم التأسيس للدولة الدينية، التي ينادي بها رئيس النظام التركي رجب أردوغان الإخواني، والتي تستهدف في الدرجة الأولى إسقاط الدولة الوطنية السورية وتقسيم سورية إلى إمارات قائمة على أسس طائفية ومذهبية، وبدرجة أقل في كل من ليبيا والعراق، فضلاً عن ذلك كله فقد ارتكب الإر*ها*بيون التونسيون، الذين أرسلهم الغنوشي إلى سورية، جرائم حرب بحق الشعب والجيش السوريين، وذبحوا الأبرياء، وسحلوا العزّل، وقطعوا الأيادي، وثكلوا الأمهات، ويتّموا الأطفال.. إنها جريمة العصر التي ارتكبها الغنوشي في سورية.
أكاديمي وكاتب عراقي