للغرب راهناً مصلحةٌ في صعود النازية

عبد المنعم علي عيسى
تمثل منظمة الأمم المتحدة الوليدة في أعقاب وضع الحرب العالمية الثانية أوزارها ربيع العام 1945، صيغة كان المنتصرون في الحرب قد استولدوها كوسيلة لحفظ الأمن والسلم الدوليين كما قال هؤلاء، ووسيلة أيضاً لتوازن دولي حفظته تلك الصيغة عبر القوى الخمس التي احتواها مجلس الأمن التي تتمتع دوله وحدها بحق النقض «فيتو»، بينما القرارات التي يصعب تمريرها في هذا الأخير كانت تجد طريقها إلى «الجمعية العامة» التي تشكل الدول الـ 193 قوامها، إذ إن القرارات التي تصدر عن هذه الأخيرة هي أقرب لـ«الرمزية» أو هي معنوية بدرجة امتياز قياساً لكونها غير ملزمة للأعضاء كتلك الصادرة عن مجلس الأمن، وإن كانت حتى الصادرة عن هذا الأخير غير ملزمة في بعض الأحايين كما هو الحال مع الأعضاء «المدللين» الذين يحظون بدعم وحظوة الغرب، ولربما كانت «إسرائيل» هي المثال الصارخ لذاك الأنموذج، لكنها، أي القرارات التي تعتمدها الجمعية العامة، في الوقت نفسه يمكن أن ترمز إلى انزياحات الدول تجاه مسألة ما، أو هي ترسم خرائط المواقف على ضفتي صراع ما يمكن من خلالها استبيان «الميول» فيها قياساً لأن المصوتين هم في أغلبيتهم من الشعوب «المغلوبة على أمرها» إذا ما استثنينا شعوب «القارة البيضاء» التي لا تندرج تحت تلك الصفة بالتأكيد.
صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 3 تشرين الثاني الجاري على مشروع قرار روسي يهدف لمكافحة تمجيد النازية، وقد جاءت نتيجة التصويت على الشكل الآتي:
صوتت 106 دول لمصلحة القرار، بينما صوتت ضده 56 دولة، وامتنعت 15 دولة عن التصويت، وعلى الرغم من أن نتيجة التصويت السابقة كافية لإقرار المشروع وفقاً للنظام المعتمد في حالات كهذه، لكن النتائج ترسم مشهداً يستحق التوقف عنده، فأن تعترض 56 دولة على مشروع قرار كان منذ قيام الأمم المتحدة وحتى الأمس القريب محل توافق سياسي وثقافي وشعبي دولي فهذا رقم كبير، خصوصاً إذا ما أخذنا في الحسبان رقم 15، الذي يمثل الممتنعين، والذين يمكن الجزم بأن مواقفهم أقرب لفئة المعترضين منهم إلى فئة المؤيدين، عندها يصبح العدد هو 71 دولة، بمعنى أنهم يمثلون نحو40% من الدول الأعضاء الذين رفضوا مكافحة تمجيد النازية التي لا تزال ذكراها تغوص في الذات الجمعية لعموم شعوب العالم كنزعة شوفينية متشددة دفعت البشرية أثماناً باهظة من جراء سياساتها التي راكمت من الكوارث والدمار ما لم تشهده البشرية من قبل.
لا شك في أن نتائج التصويت تستحق التوقف عندها مطولاً، ولربما كان من الصعب تفسيرها فقط نتيجة للحالة «التناكفية» الناشئة ما بين روسيا والغرب ما بعد 24شباط الماضي، بمعنى أن من الصعب القول إن التناقض ما بين هذين المعسكرين هو الذي دفع الأخير، أي الغرب، للتصويت ضد المشروع الروسي فاندفعت جل قواه الوازنة أمريكا – ألمانيا – إيطاليا – النمسا لممارسة ذلك الفعل، بينما كل الباقين، المعترضين والممتنعين، هم ممن يدور في أفلاك ذلك الرباعي، والمؤكد هو أن الفعل يندرج أكثر في سياق ظاهرة صعود «اليمين» الذي حقق مكاسب كبرى في غضون العامين الفائتين على امتداد الساحة الأوروبية، بينما الحكومات اليوم تبدي انصياعاً لرغبة أمريكية تريد لذلك الصعود أن يصل لمديات أكبر، ولربما تتضح الفكرة السابقة عبر استحضار مثال صارخ، ففي العام 2006 حقق حزب «الحرية» النمساوي فوزاً انتخابياً ساحقاً، وما جرى هو أن قيامة الأوروبيين قامت رداً على ذلك الصعود الذي قرؤوا فيه مقدمة لاستحضار المناخات التي سادت القارة منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي، والقيامة إياها لم تهدأ إلا باستبعاد حزب «الحرية» النازي عن تشكيل الحكومة كما تقتضي أنظمة الغرب «الديمقراطية».
الآن الصورة اختلفت، فصعود النازية هو حاجة إيديولوجية لمحاصرة قوى صاعدة مثل روسيا والصين، تماماً كما كان «الإسلام السياسي» حاجة إيديولوجية لمحاربة «الشيوعية السوفييتية» في أفغانستان مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، والغرب لن يتوانى عن دعم أي ايديولوجية، أياً تكن النتائج المترتبة على دعمه ذاك، في سبيل استمرار هيمنته على العالم التي ترنحت بدرجة استدعت استحضار إيديولوجيا يُجمع العالم على أنها كانت وصمة عار في تاريخه.

 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار