قمة لم تبلغ السفح

تشرين: عماد الحطبة:
انتهت القمة العربية المرتقبة من دون جديد يذكر، أو قرارات تهم المواطنين العرب، على الرغم من أننا تعودنا على هذه النتائج، لكن بعضنا، ولسبب غامض، توقعوا خروج القمة العتيدة بإنجاز ما.
لعل الغياب الطويل للقمم بسبب كورونا، والخلافات العربية العميقة جعل بعض المتفائلين يتوهمون أن جزءاً من هذه الخلافات في طريقه إلى الحل، ما يعزز العمل العربي المشترك في عالم تتلاطم فيه أمواج الأزمات على جميع الصعد.
فشلت القمة قبل أن تبدأ، عندما لم تكلل الجهود الجزائرية بإعادة الجامعة العربية إلى سورية رغم ذلك احتفظ البعض بتفاؤلهم مستندين إلى موقف سورية الذي عبّر عن فروسية ونبل الفكر السياسي السوري، بمطالبة وزير الخارجية السوري بعدم طرح موضوع العودة إلى الجامعة العربية، حتى لا يعوق ذلك لم الشمل العربي والعمل العربي المشترك.
غياب سورية أفرغ شعار «لم الشمل» من محتواه، فاختارت الجزائر عنوان «قمة فلسطين» في محاولة لجعل الموضوع الفلسطيني نقطة إجماع عربية في ظل الخلافات الفردية والجماعية التي بدت عصية على الحل، كان مقتل القمة في شعارها، إذ غاب عرب التطبيع الخليجيين لتجنب التبعات السياسية لهذا الشعار، كما غاب الأردن لنفس الأسباب يضاف إليه اعتراضه مع مصر على انفراد الجزائر بملف المصالحة الفلسطينية، الذي تعتبره كلتا الدولتين ورقة سياسية يستخدمانها في اللعبة السياسية الداخلية والخارجية، كما أن المباركة العربية للمصالحة الفلسطينية تعني تطبيع العلاقات مع حركة حماس، وهو أمر مرفوض أميركياً وإسرائيلياً وسعودياً فكان الحل بالنص الكاريكاتوري حول دعم جهود فلسطين للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
الطعنة النجلاء التي وجهتها القمة للشعب الفلسطيني وقضيته كانت بالعودة للحديث عن مبادرة السلام العربية، كانت تلك المبادرة نقطة الانطلاق للمسار الانحداري للقضية الفلسطينية الذي انتهى بجريمة أوسلو، متجاوزين عن التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني والنتائج الكارثية لتلك المبادرة، لم يأت الرد على موقف القمة من أسود فلسطين ونسورها، بل من صناديق الاقتراع الإسرائيلية التي أعلنت فوز اليمين المتطرف الذي يرى أن العربي الجيد هو العربي الميت، تلك النتائج التي جعلت من الحبر الذي كتب به نص قرار القمة خسارة لأنه ذهب بلا مقابل.
فشل القمة لم يكن محصوراً بالقضية الفلسطينية، لعل الفشل الأهم ارتبط بمعاناة الشعب اليمني، كان من المتوقع أن يمنع عرب النفط الموغلون بالدم اليمني اتخاذ قرار يدين إجرام طيران المعتدين، والحصار اللاإنساني على اليمن الذي يمنع عن أهلها الغذاء والدواء، ويتركهم في العراء أهدافاً سهلة لطياري التحالف المجرم، لكننا توقعنا أمام فداحة الجريمة التزام القمة الصمت، أو صياغة قرار فضفاض كالعادة، لكن القمة لم تجد أمام ما تقوله الأمم المتحدة من أن الأوضاع في اليمن تمثل الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم على مدى السنوات الأربع الماضية، إلا اختيار دعم الطرف المجرم والقاتل وإعلانها تأييد الشرعية اليمنية ومجلسها الرئاسي، لم تتذكر القمة آلاف الضحايا اليمنيين، لكنها تذكرت تأييد قطر أمام الحملة المغرضة التي تشكك في إمكانيتها تنظيم كأس العالم.
لبنان الذي يعاني أبشع أنواع الحصار الدولي والعربي، ويحرم شعبه من الأساسيات كالكهرباء والنفط، وجد في روسيا من يتبرع لسد جزء من حاجته، أما القمة فلم تجد إلا جملاً فارغة ترددها بشكل ببغائي مثير للغضب، حتى النص الذي يتحدث عن دعم ما حققه لبنان في ترسيم حدوده البحرية مع فلسطين، حمل إشارة خطيرة عندما أضاف «الحدود البرية» إلى الحدود البحرية، في حين أن مسألة الحدود البرية مع فلسطين غير مطروحة للنقاش لما فيها من تطبيع واعتراف بالعدو.
لم يختلف الموقف من سورية وليبيا عن الإنشاء الذي يتردد منذ سنوات، ولم يتطرق ولو لفظياً للتدخلات الأميركية والتركية في البلدين، وبالطبع لم يخبرنا كيف سيعمل على حل هاتين الأزمتين في الإطار العربي نفسه الذي استدعى المحتلين للتدخل في هذين البلدين العربيين.
لم تغادر قمة الجزائر الحضيض المعتاد، رغم كل الجهود التي بذلتها الجزائر لإنجاحها، ولن تنجح أي قمة لاحقة في مغادرة نفس المكان إلا بشرط واحد، أن تعقد في دمشق، وأن يحضر فيها مشروع التحرر الوطني العربي بكل تفاصيله، وأن تكون الوحدة والتحرير والاشتراكية خياره الإستراتيجي، بغير ذلك لن تكون قمم العرب إلا مادة للترفيه على شاشات التلفزة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار