قبل الأزمة الحالية وسنوات حربها الظالمة كانت الدولة بكل أجهزتها تعمل لتأمين بيئة استثمارية نظيفة، خالية من التعقيد وما يحتويه هذا من معانٍ وإجراءات وإملاءات تنضوي تحت لوائها، تعوق الحركة وتفرض تفسيرات وأقاويل حول قوانين سبقت وإجراءات اتخذت، لإظهار الحالة الاستثمارية بأبهى صورها، وتوفير بيئة مشجعة, وكان لها ذلك ولو ضمن حدود معقولة مما ذكرناه، لكن الترجمة على أرض الواقع كانت لها الكلمة الفصل في النتائج والتحكم في مصير الاستثمارات التي تنوعت في بيئتها الاستثمارية، فكان الصناعي والزراعي والخدمي, إلى جانب الاستثمار في مجال العلم والتقانة وغيرها من جوانب مهمة ظهر فيها رأس المال نشيطاً وعائده كبيراً، ورغم كل ذلك فلم يكن بمستوى طموح الدولة وهذه لعدة أسباب لم تستطع الحكومات المتعاقبة وأجهزتها التخلص منها، نذكر منها على سبيل المثال البيروقراطية والترهل الإداري اللذان مازالا قائمين، بل اشتدا أكثر وتنوعت أساليبهما في ظل الظروف الحالية، إلى جانب ضعف البنية التحتية، وعدم توافر الكفاءات والخبرات المؤهلة، ناهيك عن ضعف رأس المال الممول للمشروعات الاستثمارية الضخمة والإستراتيجية، ووجود تشريعات رغم تعديلها، إلا أنها لم تستطع تلبية المطلوب, والأخطر في مسألة تأمين بيئة العمل النظيفة (ضعف أخلاقيات العمل) وما ينجم عنها من حالات مبرمجة وفق مستويات مختلفة من العمالة وترتيبها الوظيفي وغيره، وهذه مسألة مازالت تشكل خطورة بالغة في جسم العمل سواء في الجهات العامة أو الخاصة وهذه شهدت انقلاباً كبيراً على الواقع الحالي في ظل تردي الواقع المعيشي وتدهور مستويات الدخل نتيجة الحرب والخراب والحصار الظالم على بلدنا ..
الأمر الذي شجع على حدوث خلل في توازن السوق ومقومات الاقتصاد وإفساح المجال للعبث ببيئة الاستثمار وتنحيها جانباً عن الأولويات رغم كل المشجعات التي تقدمها الدولة لإعادة الثقة وإطلاق برامج نوعية على كافة الأصعدة الاقتصادية والخدمية التي تكفل تعزيز هوية الاستثمار, وتعظيم بيئته، وهذه مسألة تحتاج لكثير من المقومات أهمها معالجة أبواب الترهل الإداري وعدم تناسب الدخل مع الظروف المعيشية ، قصار من الأهمية إنهاء حالة المحسوبيات وشخصنة العمل الوظيفي وترجمته بصور مختلفة تتنافى مع الواقع وما هو مطلوب لتصويب البوصلة الاستثمارية نحو مشروعات وطنية تحمل صفة الإستراتيجية، وتنتفي عنها صفة الاستهلاك وسرعة دوران رأس المال الجبان، إلى جانب تعزيز قطاع المشروعات الصغيرة وإقامة تكتلات اقتصادية خاصة بهذا القطاع تسمح بحرية حركة أكبر، ومجال أوسع للعمل وخاصة في ظل ظروف نحن فيها أحوج من أي وقت لزيادة تفاعلية هذا القطاع..
فالحكومة قدمت الكثير, لكن ينتظرنا الكثير في هذا المجال والمطلوب كبير فهو بحجم بلد، حتى نخرج من أزمتنا وأولى المطالب (خلاصنا من الفساد وأهله، وشخصنة العمل) وهذا أخطر معوقات تطور حالتنا الاقتصادية بكل أبعادها، فهل يطول الانتظار؟!
سامي عيسى
Issa.samy68@gmail.com
سامي عيسى
165 المشاركات