قرار «أوبك بلاس» ما بين تحالف وانتقام واشنطن من حلفائها
تشرين- ميشيل كلاغاصي:
من خلال تتبع خرائط وأماكن تواجد القواعد العسكرية الأمريكية حول العالم، يتضح أن لآبار النفط صلة أو علاقة مباشرة بقرار إنشائها، وهذا بدوره يمنح المناطق والبقع الجغرافية ودولها التي تقام عليها تلك القواعد، أهميةً وحظوةً أمريكية، تجعل منها شريكاً أو طرفاً مشاركاً في استراتيجيات محلية وإقليمية ودولية، تختلف أدوارها ومهامها في أوقات السلم عنها في أوقات الحروب، وفي كلتا الحالتين تتحكم الولايات المتحدة وقد تصادر القرار السيادي والسياسي المستقل لتلك الدول، لذلك يفضل الأمريكيون أن تتوفر فيها بالإضافة إلى الثروات الطبيعية القيادات الضعيفة والطائعة, والهشاشة السياسة التي تجعلها بحاجة دائمة للحماية الخارجية, وعليه.. لا تتوقع الولايات المتحدة أن تواجه فيها تحدياً أو صعوبات لإقناع قادتها بالسير وراء أجندات وأهداف ومصالح السياسة الخارجية الأمريكية.
وقد أتت ردة فعل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عنيفةً تجاه دول «أوبك», وتحديداً تجاه المملكة العربية السعودية, باعتبارها عرشاً «شريكاً» للولايات المتحدة الأمريكية, نتيجة القرار الذي اتخذته دول أوبك وحلفاؤها, بخفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً, على الرغم من أن القرار كان متوقعاً في الأوساط النفطية, ولم يكن له على أرض الواقع تأثير كبير على أسعار النفط العالمي.
إلّا أن واشنطن عدّته إشارة واضحة من حلفائها العرب في منطقة الخليج, بأنهم لا يميلون إلى الامتثال لطلبها وحاجتها التكتيكية الحالية لزيادة إنتاج النفط, في وقتٍ رأى فيه أغلبية الديمقراطيين والجمهوريين, أن في ذلك إشارة إلى وقوف دول الخليج إلى جانب روسيا ضد الموقف الأمريكي والغربي حيال الموقف الداعم الذي يقوده الغرب لأوكرانيا, بما يؤكد ذهنية وطريقة التفكير الأمريكية واستراتيجية الهيمنة على من يدعونهم «شركاء» وحلفاء, وبأن مصالحهم الخاصة لا تعني واشنطن.
في وقتٍ أكد فيه مسؤولو «أوبك» أن القرار تقني بحت ويهدف إلى الحفاظ على الاستقرار في الأسواق العالمية, لكن الامتعاض والغضب الأمريكي بدأا منذ لحظة وصول نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك إلى فيينا لحضور اجتماع «أوبك +»، الذي يعقد تحت القيادة السعودية بالنسبة للأعضاء, وتحت القيادة الروسية للمنتجين من خارج «أوبك», وحاولت الضغط عبر النمسا, ومنع حضور نوفاك لكونه مدرجاً على لوائح العقوبات الأمريكية, لكن أعضاء «أوبك +» هددوا وبالإجماع بنقل مقر المنظمة إلى مكانٍ آخر.
من المهم ملاحظة أن قرار «أوبك+», جاء بعد شهرين من لقاء بايدن مع ولي العهد السعودي في جدة، الأمر الذي دفع البعض في الولايات المتحدة لاعتبار اتخاذ القرار دليلاً على فشل سياسة الإدارة الأمريكية الحالية تجاه حلفائها في الخليج, وقد عزز هذا الاعتقاد, تزامن قرار «أوبك +», مع ذكرى حرب تشرين الأول 1973، التي حققت فيها سورية والعرب نصراً كبيراً على «إسرائيل» والولايات المتحدة, حيث عمدت الدول العربية آنذاك إلى تخفيض إنتاجها وصادراتها إلى الدول الداعمة للعدو الإسرائيلي, أحداث وذاكرة دفعت بعض الأمريكيين للتفكير في احتمالية تكرار استخدام العرب الاستراتيجية ذاتها اليوم, بالتوازي مع توتر العلاقات الأمريكية – السعودية, وشعور المملكة بتخلي واشنطن عنها, وهي تعيش كوابيس التغيرات الإقليمية والدولية وصراعاتها, في وقتٍ لا يمكن للعرش السعودي الصمود في صراعاته وحروبه أكثر من أسبوع واحد “حسب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب”.
هل أقنع الخليجيون العالم بأن سياستهم قد تغيرت بالفعل, وبدأت بالابتعاد عن المصالح الغربية, لصالح دولهم وشعوبهم والأمة العربية, وهل يبدو كلام أستاذ العلوم السياسية الإماراتي عبد الخالق عبد الله لصحيفة «فايننشال تايمز» واقعياً وبعيداً عن المبالغة بقوله: «لا يفهم البعض في واشنطن أن هناك خليجاً جديداً ولم نعد نتلقى الأوامر من واشنطن» , وهل يقف العرب على أعتاب مرحلة جديدة, وبزوغ فجرٍ جديد, يستطيع إجبار إدارة بايدن وكل من سيأتي بعدها, على اتباع سياسةٍ مختلفة, أساسها التساوي والاحترام المتبادل, وما يترتب عليه من إجبار واشنطن على تغيير مسار سياستها الخارجية؟.
حاولت دول الخليج إثبات حيادها حيال الصراع الدائر في أوكرانيا, وتبديد الهواجس الأمريكية بوقوف دول الخليج وتحديداً السعودية إلى جانب روسيا, ولأجل ذلك, أكد وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي بعد لقاء فيينا, أنه: «لا يمكننا الوقوف مع هذا البلد أو ذاك», بالتوازي مع نفي وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان وجود أي دافع سياسي لقرار «أوبك+» , ومع ذلك، أكد الرئيس جو بايدن أنه «محبط» من قرار خفض إنتاج النفط وسيتجه نحو تأمين «البدائل» لزيادة الإمدادات.
مهما كان من أمر ردود الفعل الأمريكية حيال قرار «أوبك+», وما تحاول فعله تجاه «تصرفات» السعودية, يبدو الحديث عن تصاعد التوتر بينهما لن يرتقي إلى مستوى تحوله إلى أزمة, ولن يكون هناك تباعد أو طلاق رسمي معلن بين واشنطن والرياض ودول الخليج, في وقتٍ لا تزال فيه الخطابات الرسمية والإعلامية لكلا الطرفين, تتحدث عن «العلاقات الاستراتيجية», وأن ما حصل لن يعدو أكثر من سحابة صيفٍ عابرة, خصوصاً في مرحلة ما بعد الانتخابات النصفية الأمريكية في تشرين الثاني القادم.
إن الحديث عن العلاقات الإستراتيجية بين واشنطن والرياض, يقود البعض للتركيز على استمرار تلك العلاقات بعيداً عن مسرحية الغضب والإستياء و«الانتقام» الأمريكي, فارتفاع أسعار النفط يصب في صالح المتحكمين في الولايات المتحدة الأمريكية, وإن كان على حساب شعبها, وهي تقوم ببيع نفطها لـ«حلفائها وشركائها» الأوروبيين بأسعارٍ مضاعفة لأربع مرات عن الأسعار السابقة, وتستبق بذلك التباطؤ الاقتصادي العالمي المتوقع, والذي سيفرض بطبيعة الحال انخفاض الطلب على النفط, وانخفاض أسعاره ثانيةً.
من جهةٍ أخرى, لم تثبت السعودية تغييراً واضحاً في سياستها تجاه القضايا الخليجية والعربية والإقليمية, فالعلاقات مع الكيان الإسرائيلي لم تتأثر, ولم تتقدم المملكة بخطوات ملموسة تجاه قمة الجزائر, والتي قد يتغيب عنها ولي العهد, وكذلك الأمر بالنسبة لمواقفها من لمِّ الشمل الفلسطيني ولقاء الفصائل في الجزائر وفي دمشق, الأمر ذاته ينسحب على قضية لمّ الشمل العربي بكليته, بغياب المواقف الإيجابية المعلنة تجاه دمشق, وتعثر التقدم الجدي والمبشر على مستوى العلاقة مع اليمن وليبيا والعراق ولبنان, ناهيك بالمراوغة أو التقدم المحسوب تجاه المفاوضات مع إيران, وترتيب أوراق حسن الجوار والأمن والاستقرار في الخليج, والتي تسير بها – على ما يبدو – وفق الأجندة الأمريكية, والتي فضحها إصدار وزارة الأمن الإيرانية وجهاز استخبارات حرس الثورة بياناً مشتركاً حول التطورات الأخيرة في البلاد، كاشفاً من خلاله, المؤامرة الخارجية, وتورط الاستخبارات الأميركية والبريطانية والسعودية والموساد الإسرائيلي ودول أخرى، بـ«التخطيط وتنفيذ العمليات للجزء الأكبر من أعمال الشغب قام بهما الموساد بالتعاون مع المجموعات الإر*ه*ابية», ناهيك بتجنيد المملكة كل وسائل إعلامها للتحريض على مدار الـ 24 ساعة, بهدف زعزعة الأمن والسلم الأهلي في إيران, وتهديد وحدة الأراضي الإيرانية.