المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي الصيني يعد العدة للمواجهة

تشرين- شوكت أبو فخر:
لم يكن من الممكن المرور سريعاً على ما حفل به المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي الصيني، الذي اختتم أعماله نهاية شهر تشرين الأول، والرسائل التي حملها للداخل والخارج،على الأقل للسنوات الخمس المقبلة، وإن كان العنوان الأبرز لمجريات المؤتمر هو تعزيز البناء الداخلي للمواجهة وفق القواعد التي ثبتت خلال العامين المنصرمين.
لقد تزامن انعقاد المؤتمر هذا العام، مع تصاعد العديد من التحديات الإقليمية والدولية، والتي تمثل اختباراً صعباً للسياسة الخارجية الصينية في هذا التوقيت، وفي ظل توتر العلاقات الأمريكية مع الصين، على أثر أزمة تايوان، فضلاً عن محاولة الولايات المتحدة بناء تحالفات دولية مناوئة لبكين في منطقة بحر الصين الجنوبي وجنوب شرق آسيا ، إضافة بالطبع لما يدور على الساحة الأوكرانية، والحرب التي تدور رحاها هناك بين روسيا والغرب، وموقف الصين الرامي إلى كسر الهيمنة الغربية وإرساء عالم متعدد الأقطاب.
لقد كشف الحزب الشيوعي الصيني، خلال مؤتمره الـ20، عن خطته لبناء صين اشتراكية حديثة على نحو شامل للسنوات الخمس المقبلة وما بعدها، فيما حمل خطاب الرئيس شي جين بينغ رسائل عديدة للداخل والخارج.
الحدث أو المؤتمر انتهى، لكن نتائجه مازالت تتفاعل، أي إن ذلك من شأنه أن يحدد جدول الأعمال العالمي للسنوات الخمس المقبلة، وربما أكثر.
فقد أعيد انتخاب شي لولاية ثالثة، ما يعني أن واشنطن ستعد العدة للمواجهة بعد أن خسرت نصيراً صينياً لها بالداخل الصيني، بمعنى؛ إنها -أي واشنطن- ستواصل العمل على الجبهتين، الروسية والصينية. ما يعني تعزيز التوجه الرامي الى تعزيز الحضور الصيني القوي ومواجهة التحديات الأمريكية، أيضاً يمكن القول إن بكين ستكون إلى جانب حليفتها موسكو، في المواجهة، أي إن روسيا لن تكون وحدها في محاولة إعادة تشكيل قواعد اللعبة في العالم.
وفي هذا الجانب، تتقارب أهداف روسيا والصين وغاياتهما بشكل طبيعي، على مدى السنوات الخمس المقبلة، وسيكون لدى الكرملين من يعتمد عليه في السياسة الخارجية، وهو ما يمكن تلخيصه بالقول: إن مشروع الغرب لعزل روسيا لم يتحقق.
لقد سعى المؤتمر العشرون إلى توضيح جملة من الحقائق لابدَّ من المرور عليها سريعاً، لأنها بشكل من الأشكال ستكون محل اهتمام وتفاعل دوليين، وهي:
-إنّ الصين لن تسعى أبداً إلى الهيمنة أو القيام بالتوسع الخارجي، بل تسعى إلى دفع بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، وتلتزم بممارسة التعددية الحقيقية، وتدافع عن العدالة والإنصاف الدوليين. كما ترفض الصين بحزم الهيمنة وسياسة القوة بكل أشكالها، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وممارسة معايير مزدوجة، ليس هذا فقط بل مواصلة التمسك بالسياسة القومية الأساسية المتمثلة في الانفتاح على الخارج، وانتهاج إستراتيجية الانفتاح القائمة على المنفعة المتبادلة والكسب المشترك، الأمر الذي سيوفر بشكل مطرد فرصاً جديدة للعالم ناتجة عن التنمية الجديدة للصين.
– كما أكد المؤتمر الاستمرار في خطط الصين لبناء دولة اشتراكية حديثة قوية، ما يعني الرد على السياسات الأمريكية، وتشكل السنوات الخمس المقبلة مرحلة حاسمة من بدء بناء دولة اشتراكية حديثة، إذ تتمثل أهدافها في تحقيق اختراقات جديدة في التنمية العالية الجودة اقتصادياً، وتعزيز الاعتماد على الذات وتقويتها في مجال العلوم والتكنولوجيا، وهذا يعد رداً عملياً على السياسات الأمريكية الرامية إلى محاولة تطويق الصين والذي يهدف إلى إقامة تحالف تقني بين الولايات المتحدة وتايوان وكوريا الجنوبية واليابان في مجال أشباه المواصلات، والذي يستهدف، الاقتصاد الصيني.
– كما شدد المؤتمر كذلك على ضرورة إحراز تقدم مهم في مجال إنشاء نمط تنموي جديد، ومواصلة الإصلاح والانفتاح، وتحديث نظام حوكمة الدولة، وتعزيز استكمال نظام اقتصاد السوق الاشتراكي، وتشكيل نظام جديد للاقتصاد المفتوح، وهو ما يعني استمرار بكين في سياستها الرامية إلى تعزيز التجارة الخارجية.
– لقد رفض الحزب الشيوعي الصيني، استقلال تايوان وكان الرئيس شي جين بينغ قد أكد في افتتاح المؤتمر بشكل صريح وواضح أنه “في مواجهة الاستفزازات الخطيرة من القوى الانفصالية المؤيدة لاستقلال تايوان، والتدخل من القوى الخارجية، كافحنا بحزم ضد الانفصالية والتدخل، وأظهرنا عزمنا القوي وقدراتنا الواسعة على حماية السيادة الوطنية وسلامة أراضي تايوان ومعارضة استقلال تايوان”، في إشارة إلى المناورات التي قام بها الجيش الصيني حول الجزيرة، والتي أكدت قدرته على فرص حصار بحري عليها، فضلاً عن تجريب الجيش الصيني أثناء هذه المناورات لصواريخ فرط صوتية قادرة على تحييد حاملة الطائرات الأمريكية.

كما أكد الرئيس الصيني تعزيز الانخراط في النظام العالمي ما يعني أن بكين تعمل على دفع الانفتاح العالي المستوى على الخارج ، والعمل على تعزيز التنسيق والتفاعل الإيجابي بين الدول الكبرى، ومعارضة الأحادية القطبية الأمريكية خاصة ما بدا من توجهات أمريكية لإقامة تحالفات عسكرية مناهضة لها في جنوب شرق آسيا، والعمل لتشكيل نمط يتميز بالتعايش السلمي والاستقرار العام والتنمية المتوازنة للعلاقات بين الدول الكبرى، وهو ما يعد رداً ضمنياً على المحاولات الأمريكية لتطويق صعود الصين من خلال تشكيل الأحلاف العسكرية.
لقد مثل المؤتمر نقطة تحوّل تاريخية في النظام الصيني، الأمر الذي يعني أن بكين سوف تواصل خططها للصعود الاقتصادي والعسكري.
كما لا يتوقع أن تتراجع الصين عن الرد على المحاولات الأمريكية الرامية إلى تعزيز استقلالية تايوان، وهو ما يعني أن التوتر سوف يكون السمة الغالبة للعلاقات بين بكين وواشنطن، خاصة مع إصرار الأخيرة على منع توحد تايوان مع الصين لاعتبارات جيو- إستراتيجية تتعلق بأن ضمها للصين سوف يصب في صالح خطط الصين للارتقاء إلى مصاف القوى الكبرى، بل يسرع من جهود بكين لتخطي الاقتصاد الأمريكي.
ما خرج به المؤتمر بخصوص التوجهات الدولية يمكن عدّه تعزيزاً لنهج المواجهة، وهنا لا يمكن أن نغفل العلاقات مع روسيا، هذه العلاقات التي يمكن أن نطلق عليها علاقات تحالف، ومن هذه الزاوية يمكن عدّ أن إعادة انتخاب الرئيس شي وزيادة وزن أجهزته داخل البلاد هي علامة أكيدة على أن بكين اختارت فريق المواجهة، ليكون منسجماً مع فريق الحليف الروسي، ضمن فريق دولي واحد في ميدان النضال ضد الهيمنة الأمريكية.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار