يا حبيبتي.. الاقتصاد العالمي بين الحروب و”محكمة الغربان”!
تسألني زوجتي ونحن نتناول الغداء ونتابع الأخبار العالمية إلى أين يسير العالم ويتوجه الاقتصاد العالمي؟! ، وكانت مقابلنا مجموعة غربان جميلة تنتقل برشاقة من شجرة إلى أخرى ، فقلت لها: يا حبيبتي المجتمع العالمي بأمس الحاجة لتقليد محاكم هذه الغربان ليسود العدل ، فنظرت إلي نظرة ملؤها الدهشة وهي تهز رأسها بعدم الموافقة ، فقلت لها: سأخصص مقالتي لجريدتنا “تشرين” عن هذا وقلت لها: يا عزيزتي وأنت الناقدة لمقالاتي ، أتفق معك بأن العالم يشهد أزمات كبيرة وتقرع طبول الحرب ومعها ينتقل الاقتصاد العالمي من أزمة إلى أخرى وأغلبها مصنع من الطغمة المالية العالمية! والكثير من المحللين الاقتصاديين والسياسيين يتخوفون من وقوع حرب عالمية ثالثة تدمر البشرية باستخدام السلاح النووي، وخاصة أن العالم يستعد لصراع قادم بين (الصين وحلفائها) و( دول الناتو بقيادة أمريكية) حول (جزيرة تايوان الصينية) وهي امتداد للحرب الناتوية مع روسيا بسبب ( أوكرانيا ) وجزيرة ( القرم الروسية ) ، لكن وقد يختلف معي الكثير، وأحترم كل الآراء ، بأن هذه الحرب النووية لن تقع ، ليس بسبب أخلاقية الدول الكبرى، بل بسبب توازن القوى والرعب النووي وتغير مراكز القوة العالمية بشكلها المطلق والنسبي ، بل قد نشهد تطور الأزمة الاقتصادية لتتحول إلى حرب اقتصادية عالمية، بدأت معالمها ترتسم على الساحة العالمية منذ سنة /2008/ ، وتتجسد بأزمات مثل ( أزمة المناخ والغذاء وكورونا وآخرها الطاقة )، وهذه الأزمات ستولد أزمات جديدة كما الحاجات تولد حاجات لاحقة ، وجوهر الأزمات، التي قد تتحول إلى حروب، مرتبط بشكل أساسي بالجانب الاقتصادي وتحديدا ( الصراع على الموارد ) وعدم تطبيق العدالة الاقتصادية والتطور اللامتكافئ بين الدول وانقسام العالم إلى دول (المركز والأطراف ) ، ورحم الله عالمنا الاقتصادي المصري الكبير سمير أمين ، حيث أوضح ذلك في أغلب كتبه وبشكل خاص كتابه (التراكم على الصعيد العالمي والتبادل غير المتكافئ وقانون القيمة وما بعد الرأسمالية ) ، حيث أكد أنه خلال العقدين الماضيين بدأ (الخطاب النيوليبرالي بالتعثر وخلال بضع سنوات تآكلت أكثريات التجمعات الرأسمالية وتضخمت بانهيار الأسطورة السوفييتية) ، وفي ندوة له في جامعة دمشق بكلية الاقتصاد أكد أن /20%/ من سكان العالم يمتلكون أكثر من /80%/ من ثروات العالم وأن السلام العالمي انهار بعد حرب الخليج سنة /1993/، وأحداث أيلول في أمريكا سنة /2001/، وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه لكنه كان يتنبأ وعلى أسس علمية بما يجري سنة /2022/ ، علما أنه توفي سنة /2018/ ، وبرأينا أن العدالة الاقتصادية هي الأساس المادي للعدالة الاجتماعية و لتطوير العالم اقتصاديا وزيادة معدل النمو الاقتصادي والناتج المحلي الإجمالي وتحسين مستوى المعيشة، ولكن غياب القانون الدولي الناظم بشكل فعلي للعلاقات الدولية حول معادلة العدالة الاقتصادية إلى” متراجحة” اقتصادية ، ويترافق هذا مع تمركز رأس المال في الدول الغربية الرأسمالية المتوحشة ، التي بدأت تصنع الحروب بإملاءات أمريكية ، و عبر عن هذا المؤرخ البريطاني (إريك هوبزباوم 1917-2012) عندما قال حرفيا [الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي خرجت من الحروب العالمية سليمة كما دخلتها] ، ولكنها نسيت بمنطق قوتها وليس قوة منطقها أن محيطها لن يحميها تماما وسيظهر منافسون لها كما قال ( أرسطو ) [ إن المنطق مقيد بالعقل وليس العقل مقيدا بالمنطق ، وليس من الحكمة والمنطق أن تعيش في الماء وتعتبر التمساح عدوا لك] ، وها هم تماسيح العالم قد ازدادوا بالنسبة لأمريكا ، ومن خلال دراستنا أسباب الصراعات والحروب العالمية منذ سيدنا آدم وصراع ولديه (هابيل وقابيل أو قايين) حسب السرد الديني وقتل قابيل لهابيل ، وكيف أرشد الغراب (هابيل ) باحترام الموت بأن علمه طريقة دفن أخيه هابيل، وكان الصراع صراع إرادات ومصالح ، وكل الحروب منذ ذاك الوقت هي حروب مصالح اقتصادية، و منذ الحرب الكبيرة التي يعتبرها الكثير من الباحثين أنها أول حرب كبيرة في التاريخ البشري ووقعت سنة /1274/ قبل الميلاد وكانت بين قوات الملك المصري (رمسيس الثاني) وملك (الحثيين موات للي) بمدينة قادش السورية الواقعة على نهر جنوب بحيرة حمص في سورية ولمصالح اقتصادية وجيوسياسية، وكذلك الحرب العالمية الأولى (1914-1918) لم تكن بسبب أن الطالب الصربي (غافري لو برنسيب ) قام بالاعتداء على ولي عهد النمسا (فرانز فردينا ند) مع زوجته خلال زيارتهما لسراييفو بتاريخ 28/6/2014 وإنما كانت أسباب اقتصادية كامنة وراءها ومنها على سبيل المثال وليس الحصر [ صراع الدول الأوروبية للسيطرة على منطقة البلقان الغنية بالثروات وطرد السلطنة العثمانية منها، وساهم فيها أيضا الصراع الإنكليزي- الفرنسي للسيطرة على آسيا وإفريقيا والتنافس بين الدول للسيطرة على العالمية لتصريف منتجاتها وتأمين المواد الأولية والاستفادة مما يدعى (مقص الأسعار)، ونقصد به الفارق بين قيمة المواد الأولية والسلع المصنعة منها وهي تعادلها بأضعاف مضاعفة …الخ ] ، بدليل أنه بعد حادثة الاغتيال وجهت ( النمسا ) إنذارا بعد أقل من شهر وتحديدا بتاريخ 23/7/1914 تطالب فيه الحكومة الصربية بالموافقة على /10/ طلبات ووافقت صربيا ومع ذلك أعلنت النمسا الحرب على صربيا بعد خمسة أيام من الإنذار لأسباب اقتصادية!، ومات خلال تلك الحرب أكثر من /20/ مليون إنسان وساهمت فيها عشرات الدول.
وكذلك الحرب العالمية الثانية ( 1939-1945 ) وكانت تقف وراءها عوامل اقتصادية وللأسباب نفسها وبعوامل اقتصادية جديدة ومنها [ الصراع على الموارد والأسواق وتأمين المواد الأولية وتسويق الإنتاج وسعي الدول الكبرى إلى توسيع نفوذها …الخ ] ، وتبين من كل تلك الحروب أن الكلمة الفصل هي للأقوى ، وأثبتت فشلها كل من عصبة الأمم المتحدة سنة /1919/ التي تشكلت بموجب معاهدة (فرساي) وتحولت سنة /1946/ إلى (الأمم المتحدة) وهدفهما الأساسي هو تعزيز التعاون الدولي وتحقيق السلام والأمن، ولكن عمليا لم يكن لهما الدور الفاعل الذي أقيما من أجله، علما أن عدد الدول هو /193/ دولة، وتشكلت عنها أجهزة متخصصة ويعتبر مجلس الأمن أهمها وهو مسؤول عن حفظ السلام والأمن الدوليين، وقد صدرت مئات القرارات الأممية لكنها لم تنفذ بسبب منطق القوة وتناقض المصالح الاقتصادية، لذلك أتمنى ربطا مع بداية مقالتي أن ترقى عدالة الأمم المتحدة إلى عدالة محكمة الغربان؟ علما أن الكثير من البشر يعتبرون الغراب رمزا للشؤم، لكن للغربان محاكمها تعاقب بموجبها كل غراب يخرج عن قوانين العدالة الفطرية التي خلق عليها هذا الطائر الجميل!، وحتى الآن استطاع العلم تفسير بعض من ( الأحكام الغربانية ) ومنها نذكر على سبيل المثال وليس الحصر [ يعاقب الغراب الذي يأكل طعام الفراخ بنتف ريشه كاملا ليصبح عاجزا، ومن يهدم عش غراب آخر يلزم ببناء عش له بديل ، أمّا جريمة الزنى فيضرب الزاني بمناقير الغربان الأخرى حتى الموت …الخ ] ، حيث تقوم الغربان بتطبيق هذه الأحكام من خلال عقد “المحكمة الغربانية” في أرض واسعة بوقت محدد متفق عليه ، ويقوم بعض منها (الحراس) بإحضار الغراب المذنب إلى المحكمة ويبقى محجوزا حتى يتم إطلاق الحكم عليه أو تبرئته ، وفي حال الحكم على المذنب بالموت فإنه ينفذ وتقوم الغربان بدفنه وفق أصولها المتعارف عليها ، فهل تستفيد الأمم المتحدة ومجالسها ومحاكمها من المحكمة الغربانية عندها تقل الجرائم والحروب، ومن هنا أقترح وأتمنى بناء معهد قانوني “غرباني” كأحد الأجهزة للأمم المتحدة نتعلم منه العدالة وفقا لعدالة “المحاكم الغربانية “.