في القاعة “المزدحمة” بكبار الشخصيات الرسمية والصناعية والتجارية علت أصوات التصفيق وصيحات الابتهاج الذي ارتسم على وجوه الحاضرين فور إعلان رئيس مجلس الوزراء من “بيت الحكومة” بحلب صدور المرسوم رقم 13 الخاص بالمدن القديمة، وقتها رصدتُ عن قرب مشهد امتنان أهل حلب على اختلاف أشغالهم وأعمالهم، فالمرسوم فاق سخاؤه توقعاتهم، لترتفع بعده المعنويات وتنشط الهمم لإعادة ترميم المحال التجارية بهدف استعادة المدينة القديمة بحلب مركزها التجاري والتراثي وخاصة بعد تضافر جهود الجهات كافة للحث على الاستفادة من التسهيلات والإعفاءات غير المسبوقة.
واليوم بعد مضي أكثر من شهرين على صدور المرسوم رقم 13 وتعليماته التنفيذية، كنا نتوقع تسارعاً في ترميم أسواق المدينة القديمة بحلب وإقبالاً من تجارها على تجهيز جيوبهم لإعادة تأهيل محالهم في استثمار مجدٍ لمزاياه الكثيرة، لتكون المفاجأة تباطؤاً وانتظاراً بعد فرملة “المالية” تنفيذ المرسوم نتيجة الاجتهادات في تفسير مضمونه، والدخول بمتاهة تشميل أسواق دون غيرها بالمرسوم وتسهيلاته، في تكريس لعقلية “الجباية” على حساب الإنتاج وتشغيل ماكينة التجارة والصناعة عند فتح أبواب أسواق المدينة القديمة وتحريك “رجل” الزبائن إليها، وهنا نتساءل عن مبررات تفريغ التعليمات التنفيذية مضامين المراسيم المهمة ومنها المرسوم 13 من محتواه، ولِمَ الاجتهاد في تفسيرات خاطئة مادام المرسوم يوضح نفسه وغايته، فهل تحصيل بضعة ملايين أنفع من إعطاء “بارقة أمل” لمن لا يقدر على “الدفع” الضريبي بعد ما أكلت الحرب أرزاقهم وخاصة أن أسواقاً بكاملها سويت بالأرض، والانطلاق صوب ترميم المحال وتشغيلها، ما يحرك النشاط الاقتصادي ويسهم مع بقية التجار في إعادة المدينة القديمة إلى عزّها السابق، وهذا يصب حتماً في مصلحة اقتصادنا المنهك والخزينة، أما الاستمرار بعقلية التحصيل الضريبي فلن يزيد الواقع الاقتصادي والمعيشي إلّا تأزماً.
“شفط” طاقة التفاؤل بالمرسوم 13 ومزاياه ووضع المدينة القديمة بحلب تحت “رحمة” اللجان مع إنها بحاجة ماسة للدعم والهمة العالية التي ظهرت بوضوح عند الإعلان عن مزايا المرسوم، تستدعي اتخاذ خطوات مانعة لدخول المدينة القديمة في نفق الإحباط وبطء التنفيذ وتدخلاً عاجلاً من أعلى السلطات لمنع تدخلات “المالية” غير الموفقة وحساباتها الخاصة والحيلولة دون المس بجوهر مرسوم مهم يدعم الإنتاج وأهله على المدى المنظور والبعيد.