معركة الـ(أوبك) ضربة موجعة لبايدن
د.رحيم هادي الشمخي
قبل عملية تخفيض «أوبك+» من إنتاجها النفطي، أجرى العديد من المسؤولين الأمريكيين، بمن فيهم وزيرة الخزانة جانيت يلين،لقاءات بنظرائهم في دول الخليج الأعضاء في أوبك لمحاولة إقناعهم بالتغيير لكنهم لم يحصلوا على التزامات مؤكدة منهم.
في أوَّلِ ردِّ فعلٍ أمريكيٍّ، قال البيت الأبيض إنَّ الرئيس الأمريكي جو بايدن سيدعو إدارته والكونغرس لبحث سبل تعزيز إنتاج الولايات المتحدة من الطاقة وتقليل سيطرة أوبك على الأسعار بعد قرار خفض الإنتاج “قصير النظر” الذي اتخذته المنظمة.
وقال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ومدير المجلس الاقتصادي الوطني برايان ديس في بيان: إن بايدن سيواصل أيضاً إصدار توجيهات للإفراج عن كميات من الاحتياطي الإستراتيجي للبلاد من النفط كلما اقتضت الضرورة، فيما اتهمت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيار الأربعاء الماضي، مجموعة «أوبك+» بالانحياز لروسيا.
يُعَدُّ قرار خفض إنتاج النفط ضربة قاضية لرئاسة بايدن، إنه رفض شخصي لرئيس كان قد تعهد خلال حملته الانتخابية بجعل السعودية «منبوذة» كما أنه يعوق محاولاته لخفض الأسعار وضغط عائدات روسيا، من خلال الضغط لفرض حد أقصى لسعر النفط الروسي، والإفراج عن المخزونات من احتياطي النفط الاستراتيجي للولايات المتحدة.
ويرى بن كاهيل، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، لـ«بلومبيرغ» أن هذا التخفيض جاء مدفوعاً بالجغرافيا السياسية، وليس فقط أساسيات السوق، «أوبك+» تقاوم جهود مستوردي النفط، بما في ذلك قرار وضع الحد الأقصى لأسعار النفط الروسي، وإصدارات الاحتياطي الاستراتيجي للولايات المتحدة، والعمل المنسق بين المشترين، يعدّ خطوة محفوفة بالمخاطر- حسب كاهيل.
ويرى خبراء في مجال الطاقة أنّ العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أسهمتْ في تعزيز التحالف السعودي- الروسي، بدل زعزعته، فقد شكّل «أوبك +» جبهة مشتركة لرفض فتح مضخّات البترول على نطاق واسع، رغم دعوة الولايات المتحدة الراغبة في وقف ارتفاع الأسعار.
منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، كسبت موسكو نحو 120 مليار دولار بفضل صادراتها النفطية، وفقاً لتقرير نشره «مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف» ومقره فنلندا، أوائل أيلول 2022 ولكن إنتاجها شهد انخفاضاً منذ الصيف، متأثراً بالعقوبات الغربية.
وفي نظر هؤلاء الخبراء، فإِنَّ القرار الأخير الذي اتخذته «أوبك بلاس» يخدم روسيا بالدرجة الأولى، ويُعَدُّ إعلانها بأنها تريد الاستقلال بقراراتها في مجال تحديد سقف الإنتاج بعيداً عن الضغوطات السياسية التي تمارسها إدارة بايدن.
لقد استفادت روسيا من التوتر الحاصل في العلاقات الأمريكية – السعودية، لتفرض منطقها على سوق النفط الذي يعاني أصلاً من شح الإنتاج، فقرار خفض الإنتاج، سيقود إلى زيادة في الأسعار، تتراوح بين 100 و 120 دولاراً للبرميل من النفط وهو ما تهدف إليه «أوبك+» حيث ستثير هذه الأسعار إن بقيت على حالها مدة من الزمن أزمة اقتصادية خانقة في أوروبا.
ويتحمل الأوروبيون مسؤولية كبيرة، لأنَّهم اصطفوا على أرضية الخط السياسي الأمريكي، وبالتالي انساقوا وراء أمريكا لفرض عقوبات اقتصادية على روسيا، بينما دول «أوبك» و«أوبك+» عملوا على تنسيق جهودهم لفرض سيطرتهم على سوق النفط، فالعقوبات الاقتصادية خدمت روسيا التي ستستفيد حتماً من هذا الوضع، بينما تسير نحو تحقيق أهدافها في أوكرانيا.
حسب البيت الأبيض فإنّ بايدن «يشعر بخيبة أمل بسبب قرار «أوبك+» وهدد بالنظر في اتخاذ مزيد من الإجراءات «للحد من سيطرة أوبك على أسعار الطاقة».
غير أن بعض السياسيين الأميركيين كانوا أكثر صراحة إذ غرّد السيناتور الديمقراطي عن ولاية كونيتيكت وعضو لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس كريس مورفي بالقول: اعتقدت أنّ الهدف الكامل من بيع الأسلحة إلى دول الخليج رغم انتهاكاتها لحقوق الإنسان، وحرب اليمن غير المنطقية، والعمل ضد المصالح الأميركية في ليبيا والسودان، أنه عندما تحدث أزمة دولية كان بإمكان الخليج اختيار أميركا على روسيا والصين.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيار إنّ القرار «يشكل خطأ»، مضيفة أن توقيت القرار سيئ أيضاً لأجندات بايدن السياسية، إذ يأتي قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي الشهر المقبل.
وكان النائب الأمريكي، رو خانا، دعا البيت الأبيض إلى ما سماه الانتقام من السعودية إذا خفضت أوبك وحلفاؤها إنتاج النفط في محاولة لرفع الأسعار، وقال في مقابلة هاتفية مع CNN، الإثنين الماضي: إنهم يستنزفون الشعب الأمريكي بصورة نشطة، ويزعزعون استقرار الاقتصاد.. هذا الأمر فظيع ببساطة.. من يظنون أنفسهم؟.
وتشرح «بلومبيرغ» أنه بالنسبة للمسؤولين الأمريكيين، الذين أمضوا الأيام القليلة الماضية في جهود ضغط محمومة لإقناع الرياض والأعضاء الآخرين في مجموعة منتجي النفط بتغيير المسار، فإنّ المعنى واضح: في حرب الطاقة متزايدة العداء بين روسيا والغرب، والسعودية على استعداد لمساعدة بوتين وازدراء بايدن.
هناك شبه إجماع لدى الخبراء أنَّ ارتفاع أسعار النفط سيقود إلى تعميق الأزمة داخل الولايات المتحدة، إِذ سيضع عبئاً اقتصادياً ثقيلاً على المواطنين الأمريكيين، بما أنه سيؤدي لركود شديد جداً في الاقتصاد الأمريكي ولن يجعله يتعافى، وسيقود إلى زيادة البطالة وارتفاع أسعار المواد الأخرى، كما سيمثل ذلك عبئاً مالياً كبيراً على المواطنين الأمريكيين، الذين يملك معظمهم سيارة.
يأتي كل ذلك فيما يستعد الحزبان الديمقراطي والجمهوري لخوض معركة الانتخابات النصفية، ووفقاً لاستطلاع رأي أجرته شبكة “إن بي سي نيوز” في أيلول الماضي، كان الحزبان متعادلين من ناحية رغبات الناخبين.
هي إذاً الحرب الاقتصادية، أمريكا ومعها الدول الأوروبية يفرضون العقوبات الاقتصادية على روسيا، رغم أن هذه العقوبات قد لا تكفي وحدها لإجبارها على وقف الحرب في أوكرانيا، وروسيا ومعها الجبهة التي تقودها، يخفضون من إنتاج النفط بهدف تحقيق الزيادة في أسعار الطاقة، الأمر الذي سيقود إلى تعميق أزمة النظام الرأسمالي العالمي بسرعة متزايدة.