التعتيم يلف أوروبا.. والأزمة لاتزال في أولها

تشرين- أمين الدريوسي:
لم يعد خافياً أن تداعيات أزمة الطاقة التي تعصف بالدول الأوروبية لم تعد تقتصر على ارتفاع الأسعار، والمخاوف من نقص إمدادات الطاقة، لكن ما هو خافٍ ويحاول المسؤولون الغربيون إخفاءه أن هذه التداعيات باتت تهدد الأمن الاجتماعي لهذه الدول وتعمق حجم معاناة الدول الأوروبية، كما تهدد وحدة القارة العجوز وعلاقاتها الخارجية لاسيما مع شريكتها الولايات المتحدة، التي تستثمر الأزمة عن طريق بيع الغاز الطبيعي بأسعار مرتفعة لها، الأمر الذي بات يثير حفيظة المسؤولين الأوروبيين.
فحسب تقرير نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، فإن المحال التجارية في جميع أنحاء باريس تعمل على إطفاء الأضواء الليلية، ما يؤدي إلى إغراق شوارع ومناطق أخرى تشتهر بالتسوق المسائي في الظلام، حتى برج إيفل، رمز صعود فرنسا كدولة صناعية، بدأ بإيقاف التشغيل في وقت مبكر، وعلى خطا فرنسا يحث آخرون في القارة على إجراء تعديلات خاصة، حيث تخطط إيطاليا لتقييد التدفئة في المنازل والشركات، كما تحث هولندا السكان على تقصير أوقات الاستحمام، فيما تشجع فنلندا سكانها على خفض مقدار الوقت الذي يقضونه في استخدام الأجهزة الرقمية، وألمانيا تقوم بإطفاء الإنارة في المعالم الأثرية، بينما علقت وزيرة الطاقة في حكومة ماكرون، أنييس بانيير روناتشر، على هذا الاقتراح بالقول « إطفاء أضواء النصب، ربما لا يكون أكبر مصدر لتوفير الطاقة».
لم تستطع باريس توفير الطاقة من خلال تعتيم الأضواء وحدها ولن تستطيع، لكن إنه خيار من عدة خيارات، إذ من المتوقع أنها ستخفض استخدام الطاقة بنحو 8٪ في المدينة، بما في ذلك خطط لخفض منظمات الحرارة في مبانيها، وعلقت عمدة باريس بهذا الخصوص آن هيدالغو بأن الآثار المظلمة ترسل إشارة إلى السكان بأنهم بحاجة أيضاً إلى توفير الطاقة.
وكان الاتحاد الأوروبي قد أوصى دوله بخفض استهلاكها للغاز بنسبة 15٪، خاصة أولئك الذين يعتمدون بشكل كبير على الغاز الروسي، كذلك فعلت كل من ألمانيا وإيطاليا، ومن الممكن أن يحتاجوا إلى خفض الاستهلاك بشكل أكبر، كما يمكن أن تصبح الخطة التي اقترحتها السلطة التنفيذية للاتحاد الأوروبي، إلزامية في حالات الطوارئ مع بعض الاستثناءات.
وقد كشفت فرنسا النقاب عن خطتها لتوفير الطاقة التي تشمل إجراءات قطع المياه الساخنة في حمامات المباني العامة وتغطية التدفئة عند 64 درجة في كل المباني العامة، بما في ذلك المحاكم والمتاحف العامة.
وعلى حد قول بعض الوزراء فإن «المركبات الرسمية ستحتاج إلى تقليل سرعتها لتوفير الطاقة»، حيث نوه تقرير «وول ستريت جورنال» إلى أن «القيادة بسرعة 68 ميلاً في الساعة بدلاً من 80 ميلاً في الساعة على الطرق السريعة تقلل من استهلاك الوقود بمقدار الخمس»، كما اقترحت الحكومة أيضاً أن تطلب الشركات من الموظفين العمل من المنزل في أيام معينة، ما يسمح للمكاتب بالظلام لتوفير الطاقة.
وحسب «وول ستريت جورنال»، فإن قطع الغاز الروسي قد أدى بالفعل إلى إغلاق المصانع في جميع أنحاء أوروبا، ما يهدد اقتصاد القارة، التي تعتمد على شركات مثل شركات صناعة الصلب، وعلى منتجي الكيماويات، وصانعي السيارات أكثر من الولايات المتحدة.
في القرن السابع عشر أُطلق على باريس اسم مدينة النور وذلك عندما حاول قائد شرطتها آنذاك تحسين الأمن ليلاً من خلال تركيب آلاف الفوانيس والمشاعل، وبعد قرنين من الزمان أصبحت المدينة رائدة في «كهربة» المدن. لكنها اليوم مجبرة على الإطفاء والانطفاء.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار