لم يغْتَنِ كاتبٌ من عملٍ روائيّ عبر التاريخ في أي بلد من بلاد العالم حتى لو قرّبنا صورة الحقيقة أكثر بمقارنة كاتبٍ في أوروبا بآخر في آسيا أو أفريقيا حيث تختلف مستويات الثقافة والنشر وربما تقدير الكاتب نفسه، فقد كتب الروائي الألماني “هيرمان هيسه” ذات يومٍ لشاعر شاب طلب نصيحته في بعض قصائده: إذا كنت تفتش عن المال من وراء الشعر فإن أبسط عمل في معمل صناعة إبر الخياطة مُجْدٍ لك أكثر! ولكيلا نتوقف طويلاً أمام هذه الحقيقة ونتذكر ما نالته الروائية الفرنسية “فرانسواز ساغان” من روايتها الضعيفة ” صباح الخير أيها الحزن” من مجدٍ وأموالِ حقوق النشر، فإن ذلك يؤكد الرأي لأن حقوق النشر تأتي تباعاً مع كل طبعة من الكتاب وبين الطبعة والطّبعة زمن، وهذا لا يجلب الثروة المفاجئة مثل الإمطار الصناعي!
الكاتب الأمريكيّ الأشهر «إرنست همنغواي» صاحب الروايات العظيمة لم يعرف الثراء الواسع الذي لم يبحث عنه أصلاً، إلا حين تحولت روايته «لمن تُقرع الأجراس» إلى فيلم سينمائي! عندها قدّمت له شركة الإنتاج مبلغاً خيالياً في ذلك الزمن مقابل تحويل الرواية إلى عملٍ بصري، لحقته معظم رواياته، وسيكون هذا التقليد شائعاً في الثقافات الأخرى وأقربُها إلينا وأشهرُها ثلاثية «نجيب محفوظ» «بين القصرين» و«قصر الشوق» و«السّكّريّة»، لكننا إذا غادرنا هذه الحقيقة إلى ضفّة مقابلة، ضفّة تحويل الرواية إلى فيلم عبر ما يُعرف بالسيناريو سنتوقّف مطوّلاً عند عدم رضا مجمل الكتّاب عما آلت إليه الرواية التي ستغادر حتماً موطن خيال الروائي بما فيه من رسائل مباشرة وأخرى مضمرة، لتصبح بناء مختلفاً في أرض أخرى، لذلك ستحتاج إلى تعديلٍ في البناء أو ترميم في فجوات أو تطويعٍ للمرئي على الورق ليصبح مرئيّاً على شاشة ودائماً هناك فرق معرفيّ بين جمهورٍ قارئ وآخر مشاهِد، وقلة قليلة من جمهور السينما تعود إلى أصل الفيلم في الرواية، وربما، لذلك، يضنُّ الروائي بالرضا عن مغادرة روايته ضفةً إلى ضفة أخرى رغم التشاطؤ في الأفكار! وربما، لهذا السبب، استعدّ “السيناريست” دائماً للدفاع عن نفسه وعن عمله أمام الأديب، وما تساوى كتاب السيناريو في الحرفية والقدرة على حفظ روح العمل الأدبي الأصليّ لأن هذه الكتابة هي أيضاً موهبة وحرفة معاصرة لا علاقة لها بالترجمة التقليدية التي عُرفت منذ عصور سحيقة، تلتزم بالنص أو لا تفعل، وهنا، في مهنة السيناريو، وهناك، في مهنة الترجمة، معارك تدور حول الأمانة والالتزام بروح ورسالة النص الأصلي والشطح البعيد عنه، وقد يتمرد النص الأصلي على كل صنعة لحقت به كما تمردت رواية « العطر» وكاتبها الاستثنائي« زوسكيند» على جعلها فيلماً اشتغل عليه وفيه كبارٌ من سيناريست ومخرج وممثل وشركة إنتاج، لكنه فشل فشلاً ذريعاً رغم تشاطئه مع رواية أذهلت القراء قبل النقاد!