من المتسبب في استهداف «نورد ستريم»؟
د. رحيم هادي الشمخي
معظم التقارير الغربية تؤكد حصول حادثة التخريب في خطي أنبوب “نورد ستريم”، لكن من الصعب الجزم بخصوص الجهة المتسببة في هذا التخريب، في ضوء الاتهامات المتبادلة بين روسيا من جهة وأمريكا والدول الأوروبية من جهة أخرى، و إن كانت كفة ترجيح هذا التخريب، تذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لأسباب تتعلق بالحرب الروسية- الأوكرانية، حيث تعمل أمريكا على استثمار هذه الأزمة لبيع غازها المسال إلى أوروبا.
وليس مستبعداً أن تكون الولايات المتحدة خرَّبت أنابيب “نورد ستريم”، بسبب تخوفها من خروج دول أوروبية من الإجماع بشأن العقوبات المفروضة على روسيا لإنقاذ نفسها من “أزمة الطاقة” هذا الشتاء، لكن لهذا الأمر أيضاً مخاطر سياسية وإستراتيجية وأمنية.
ويأتي ذلك أيضاً في الوقت الذي باتت فيه واشنطن لاعباً مهماً في مجال الطاقة، حيث أصبحت ترسل كميات ضخمة من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا. وتلجأ “القارة العجوز” إلى هذا النوع من الغاز لتخزينه استعداداً لفصل الشتاء المقبل.
وكانت الولايات المتحدة قد عارضت اعتماد ناتو (خاصة ألمانيا) على الغاز الروسي. وفي 2018، حذّر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الأوروبيين من احتمال استخدام روسيا للغاز كسلاح لمواجهة الغرب.
يبدو أن وزير الخارجية البولندي السابق، راديك سيكورسكي، وهو من أشد المنتقدين لموسكو، يدعم تفسير هذه الأحداث بتغريدة تقول، “شكراً للولايات المتحدة الأمريكية” فوق صورة بقعة من بحر البلطيق تبدو فقاعات الغاز المتزايدة تتسرب منها.
في اتصال هاتفي يوم الأربعاء، رفض سيكورسكي الخوض في تفاصيل حول تغريدته، لكنه أشار إلى أن مشاريع نورد ستريم تجاوزت بولندا، التي لديها علاقات متوترة مع موسكو، بينما تعمق اعتماد أوروبا الغربية على روسيا. وقال: “لقد بذلت الحكومات البولندية المتعاقبة جهوداً مستميتة لوقف نورد ستريم”.
وأضاف: “ِلمَ لا أشعر بسعادة غامرة؟ أفضل أن أعتقد أن من قام بالتفجير هم حلفاؤنا أكثر من أن يكونوا أعداءنا”.
أما المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا ، فقد قالت عبر “تيلغرام”: “الرئيس الأميركي ملزم بالرد على سؤال ما إذا كانت الولايات المتحدة قد نفّذت تهديدها”، في إشارة إلى تصريح أدلى به بايدن في السابع من شباط 2022، أي قبل الحرب الروسية الأوكرانية، قال فيه: “إذا غزت روسيا، أوكرانيا، فلن يكون هناك نورد ستريم 2”.
ويُشار في البيت الأبيض إلى أنّ هذه التصريحات تعكس الضغوط الشديدة التي مارسها الرئيس الأميركي على ألمانيا للتخلّي عن مشروع خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2″، الأمر الذي حقّق النتيجة التي أرادها بايدن.
ومن غير المستبعد أنْ تكون أوكرانيا وراء هذا العمل التخريبي بهدف إلحاق ضرر اقتصادي بروسيا. لكن، في حال توصلت التحقيقات إلى ضلوعها في أعمال التخريب ، فإنَّ علاقاتها مع أوروبا وحلف شمال الأطلسي ستتضرر بشكل كبير.
لقد عدّ الاتحاد الأوروبي أن تسرب الغاز في خطي أنابيب “نورد ستريم”، اللذين يربطان روسيا بألمانيا، “ليس مصادفة” وسط مؤشرات على “عمل متعمد”، متوعداً برد قوي، فيما أشارت روسيا إلى أن اتهامها بالتسبّب بتسرب الغاز من “الغباء والسخف”.
وحذر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، في بيان، من أن “أي عبث متعمد بمنشآت الطاقة الأوروبية غير مقبول إطلاقاً، وسيُقابل برد قوي وموحد”.
ودعا بوريل إلى إجراء تحقيق في التسرب في خطي نورد ستريم 1 و2، قائلاً إن “كل المعلومات المتوافرة تشير إلى أن حالات التسرب تلك هي نتيجة عمل متعمد”. وأضاف: “سندعم أي تحقيق يوضح بشكل كامل ما حدث وأسباب ذلك، وسنتخذ المزيد من الخطوات لزيادة صمودنا في مجال أمن الطاقة”.
من جانبه، كتب رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال في تغريدة: “يبدو أن أعمال التخريب في نورد ستريم مسعى لتعطيل إمدادات الطاقة للاتحاد الأوروبي بشكل أكبر”. وأضاف: “الذين يقفون وراء ذلك سيخضعون للمساءلة ويحاسَبون”.
بالمقابل قالت مجلة “دير شبيغل” الألمانية: إن السلطات الدانماركية طالبت السفن بتجنب المرور من المياه قبالة جزيرة بورنهولم بمسافة دائرة نصف قطرها 5 أميال، بسبب الاشتباه في تسرب الغاز في خط أنابيب “نورد ستريم 2”.
الموقف الروسي
بدوره ، قال الكرملين: إنَّه لا يستبعد أن يكون التخريب سبباً وراء الأضرار التي لحقت بشبكة أنابيب نورد ستريم التي بنتها روسيا في بحر البلطيق.
وأضاف ديمتري بيسكوف أن الكرملين قلق بشدة إزاء هذه الواقعة التي تتطلب إجراء تحقيق فوري في ملابساتها، لأنها قضية تتعلق بأمن الطاقة في “القارة بأكملها”.
ورد بيسكوف للصحفيين على ادعاء أوكرانيا بأنه “هجوم إر*ها*بي” دبرته موسكو: “إنَّه أمر متوقع تماماً وغبي، كما أنه متوقع أيضاً أن تصدر روايات على هذه الشاكلة -غبية وسخيفة”، ودعا للتفكير قبل الإدلاء بتصريحات، وانتظار نتائج التحقيق”.
ليس مبالغة القول إن أوروبا هي أكبر الخاسرين من الحرب الأوكرانية ، ولاسيما حين اصطفت على أرضية موقف الولايات المتحدة التي بادرت إلى فرض عقوبات اقتصادية ضد روسيا خارج إطار الآلية المعمول بها في منظومة الأمن الجماعي، ما تسبّب في إحداث ضرر فادح بدول وشعوب العالم التي لا علاقة لها بالصراع.
حرب الغاز الحالية هي امتداد للحرب الأوكرانية، و تدخل في نطاق جوهر الصراع الدائر حالياً بين روسيا و الولايات المتحدة، عبر الساحة الأوكرانية، إذ تسعى روسيا ومعها الصين وعدة أقطاب تنموية في العالم إلى “هندسة نظام أمني عالمي جديد”، يقوم على التوازن ومراعاة مصالح الجميع. فالنظام الليبرالي العالمي الجديد أصبح عاجزاً تماماً عن مواكبة التغيرات الهائلة التي طرأت على موازين القوة في النظام الدولي أحادي القطبية بزعامة أمريكا.
أكاديمي وكاتب عراقي