بوتين وعملية كسر الهيمنة الغربية وإنهاء القطبية الأحادية
ميشيل كلاغاصي
بالأمس شهد الكرملين حدثاً تاريخياً، تم خلاله توقيع الرئيس فلاديمير بوتين ورؤساء دونباس ومنطقة خيرسون وزابوروجيا اتفاقيات إعادة توحيد الأراضي الروسية التاريخية مع روسيا، وسط تأكيد الرئيس بوتين أن الناس الذين يعيشون في هذه الأراضي باتوا مواطنين روساً إلى الأبد، و وسط جدية العملية الصعبة لتفكيك النظام العالمي أحادي القطب، والتي تتقدم “بلا هوادة” .
ومن داخل إحدى أهم قاعات الإمبراطورية الروسية في الكرملين، قاعة جورجيفسكي التاريخية الأثرية الرائعة، لخص الرئيس بوتين نتائج الاستفتاءات التي انتهت مؤخراً ، بقوله: “اتخذ الناس خيارهم بشكلٍ واضح” ، حيث جاءت موافقة الأغلبية العظمى من المواطنين, لصالح أن تصبح هذه الأراضي جزءاً من روسيا, وبالعيش في كنف وطنهم.
وفي كلمةٍ مهيبة, أكد الرئيس بوتين, أن الشعب الروسي مارس “حقه” بما يتوافق مع المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة , وعلى “الوحدة التاريخية للأرض والشعب الروسي” ، وعلى “استعادة العدالة التاريخية , لمن خلقوا ودافعوا عن روسيا لقرون, وأصبحوا يعدّون أنفسهم جزءاً من روسيا بحكم ثقافتهم وإيمانهم وتقاليدهم ولغتهم” ، وأشار إلى أن روسيا لا تسعى إلى استعادة الاتحاد السوفييتي، لكنها تعيد وحدة الشعب التي تم تدميرها عام 1991 , وبأنها “لن تخون خيار الشعب” , ودعا نظام كييف إلى وقفٍ فوري للحرب التي بدأها عام 2014 والعودة إلى طاولة المفاوضات, في الوقت الذي تعدّ دعوةً لأصحاب المشروع الحقيقيين في واشنطن ولندن وبروكسل .
دائماً هو المعسكر الأنجلوسكسوني الذي سعى ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي, إلى إضعاف روسيا وتدميرها واقتصادها, ولم يتوانوا قبل أيام عن اللجوء إلى استراتيجية التخريب وتفجير خطوط أنابيب الغاز الدولية في نورد ستريم 1و2 , في تأكيد جديد على حقيقة الحرب الهجينة التي توحد الغرب وراء شنها على روسيا, على الرغم من حاجتهم إلى إمدادات الطاقة الروسية عبر تلك الخطوط , وما تسببت به سياسة وقف استجرار الطاقة من روسيا, وسط دوامة وأكذوبة البحث عن البدائل المكافئة كماً ونوعاً وتكلفةً , وانتقال المجتمعات الأوروبية الغربية نحو المزيد من الفقر والعوز والجوع , وتردي الأوضاع الصحية, وكلها أثمان تدفعها “دول القطيع الغربي” لدعم الشراكة المتوحشة للهيمنة على العالم تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية, ولمنع ظهور العالم متعدد الأقطاب ،”الأكثر عدالة وديمقراطية” بحسب وصف الرئيس بوتين، وتأكيده أن “انهيار الهيمنة الغربية عملية صعبة، لكنها تتقدم ولا رجوع فيها”.
لا تبدو روسيا وحيدة في توجهها وإصرارها نحو تفكيك النظام القطبي الأحادي المهيمن، وهناك عشرات الدول التي تقف إلى جانبها وتؤيد إنهاء مرحلة القطبية الأحادية، وكسر مشروع الهيمنة على العالم ، بحثاً عن عالمٍ أكثر أمناً واستقراراً ، وعدلاً وديمقراطية, ومع تزايد أعداد الدول التي تنضم إلى هذا التوجه, وتكثيف علاقات التعاون البيني, وظهور التحالفات الثنائية والثلاثية , والتوافق وراء دعم النظام العالمي متعدد القطبية الجديد, يبدو أن ملامح محورٍ عالمي كبير بدأت تظهر في العلن, سيكون قادراً على فرض إرادته حرباً أو سلماً , وهذا يعود إلى خفايا محركات السياسة والمخططات الصهيو – أمريكية, وما تبيته من نوايا خبيثة.. فولادة الهيمنة الأحادية جاءت على أنقاض الحروب العالمية, والويلات ودماء الأبرياء, ولا نعتقد أن نهايتها تشي بغير ذلك مع احتلال المتطرفين والمتغطرسين مقاعد القرار الخفي أو المعلن في عواصم الشر بدءاً من البيت الأبيض في واشنطن وليس انتهاء في بروكسل ولندن وباريس وبرلين و”اسرائيل “.