«أميمة إبراهيم» الحكاية الشعبية كنافذةٍ ثقافية للطفل
نضال بشارة
تعدّ الحكاية الشعبية في نظر الباحثين جزءاً من موروثنا الشعبي، وجزءاً مهماً من ذاكرة الشعوب.. هذا ما استهلت به الأديبة أميمة إبراهيم رئيسة المكتب الفرعي لاتحاد الكتّاب العرب في حمص من خلال محاضرتها “الحكاية الشعبية”. وأشارت إلى أنها تعدّ حاملاً للقيم الثقافية والاجتماعية السائدة في العصر الذي تنتمي له، وهي جزء من تراثه المادي والعقلي والروحي، ولعل أهم ميزة لها أنها طائر مهاجر تنتقل من بلد إلى بلد، وتكتسب أحداثاً جديدة في البلد الذي تحل فيه، كما يأخذُ أبطالها أسماء وصفات جديدة، وقد أشارت المُحَاضِرة إلى أن الإنسان استطاع من خلالها نقل كل تصوراته ومعتقداته وعاداته وتجاربه وخبراته في الحياة، وأن يقدمها بأسلوب وبناء قصصي مُحْكَمَينِ، فكانت الحكاية هي الوسيلة التي حكى بها عن مغامرات الصيد، وعن الغزوات والحروب، رافقته في أسفاره وحلّه وترحاله، وكانت خير ما يستعينُ به على قضاء الوقت، فترتوي المخيلةُ، وتُسرُّ النفوس، فتختلطُ مشاعرُ الفرحٍ والفخر والغضب والحزن والشفقة والاستحسان والاستنكار.
ولما كانت الأديبة أميمة إبراهيم مربيةٌ وكانت مسؤولة مكتب الثقافة في قيادة منظمة الطلائع، كان من الطبيعي أن تتساءل ما أهمية الحكاية وهل انتهى زمنُها؟ أم إنها ما زالت موجودة رغم غزو الإنترنت والفضائيات عقول الأطفال؟ وتجيب: لاتزال للحكاية مكانتها وسحرها وأهميتها، وإن تعددت أشكال روايتها وأساليب تلقيها، فمهما اختلفت الأزمنة وتعددت، فإنها تبقى رفيقة البشر منذ أساطير بلاد ما بين النهرين، وأساطير الإغريق والرومان، إلى كليلة ودمنة، وسير الهلاليين، والعبسيين، وألف ليلة وليلة، إلى حكايات هوفمان، والإخوة غرين وأندرسون، وما ذلك إلاّ لأن الشعوب أودعتِ الحكايات خلاصة تجاربها وحمّلَتْها آلامها وأمنياتها، ولخّصت فيها كثيراً من إرثها الثقافي والأخلاقي، وفيها ما يمجّد الشجاعة والعلم والعمل، ويحثّ على فعل الخير، والتضحية، وإنكار الذات، ويدعو أصحاب المُلْكِ إلى العدل والرحمة، ويحث المظلومين على الدفاع عن أنفسهم وحقوقهم وأوطانهم، كما أشارت إلى أنه مهما تعددت وتنوعت طبيعة المجتمعات، جغرافياً وتاريخياً واجتماعياً، تبقى الحكاية أو القصة عندما تسرد للطفل تربط بينه وبين المجتمع بكل أنواعه وأشكاله، ما يقتضي حُسن اختيارها وانتقائها لتكون مسلية للمتلقي طفلاً كان أم كبيراً. ولم تفت المُحَاضِرة الإشارة إلى أن الحكاية تؤدي دوراً مهماً في تكوين شخصية الطفل، فهي لاتزال جزءاً مهماً من العملية التربوية والتعليمية، كما تعدّ نافذة ثقافية في مرحلة مبكرة من عمر الطفل، تُشعره بأهمية الكلمة التي ليست بالضرورة أن تكون من اللغة الفصيحة من دون اللهجة المحكية. وخلُصت المُحّاضِرة إلى أنَّ تراثنا غني، ويجب إعادة النظر فيه حيث نرصد المادة التي يمكن أن نقدمها للأطفال، فنبسّط اللغة، ونقترب بها من لغة الطفل ومعجمه اللغوي وقدرته على الاستيعاب، وأنَّ الغاية من تدوين الحكاية ليست إحياءها وإنَّما حفظها وتوثيقها ووضعها مادة أمام الدارسين، فقد يتيح الحفظ إمكان توظيفها في أشكال جديدة، خاصة أن تراثنا العربي تعرض لظلم فادح على أيدي المستشرقين والمؤرخين، إذ أغفلوا مدى مساهمة العرب في التراث الإنساني الأدبي ليوهموا أن الأمة العربية لم تستطع أن تقدّم للإنسانية مساهمة فعالة في هذا النوع من الأدبيات وأن العقل العربي ظل قاصراً عن الإبداع، واختتمت بالإشارة إلى بعض الذين ساهموا في هذا التدوين كالأديبة سلمى سلمان ومجهودها في كتابها «في ليالي كانون» الذي جمعت فيه حكايات الجدّات كما سمعتها في ريف سورية الغربي، والدكتور أحمد زياد محبك الذي جمع في كتاب الحكايات التي سمعها في مدينة حلب وريفها، والباحث نزار الأسود الذي جمع ووثق الحكايات الشعبية الشامية.