«حركة النهضة» بؤرة إخوانية ومسؤولية مثبتة عن إرسال الإر*ها*بيين
د. رحيم هادي الشمخي:
بعد انطلاق ما يسمّى زوراً “الربيع العربي” على يد الحركات التكفيرية مدعومة من تنظيم الإخوان المسلمين والوهابية، ووصول هذه الحركات التكفيرية إلى سدّة الحكم، عملت هذه الحركات عبر التضليل و التلاعب بمشاعر الرأي العام وخاصة في أوساط الشباب.
لقد قامت بتجنيد آلاف الشبان للقتال مع الجماعات الإر*ها*بية في كل من سورية والعراق وليبيا تحت عنوان “الجهاد”، لكن سرعان ما تغيّر المناخ العام في الشارع التونسي ضدّ هذه الحركات، وخاصة بعد الهزائم المتكرّرة التي مُنيت بها هذه الجماعات في سورية، حيث تمّت تصفية المئات من التكفيريين التونسيين، فضلاً عن اعتقال مئات آخرين ، الأمر الذي حرّك الشارع التونسي شيئاً فشيئاً ضدّ حركة النهضة الإخوانية في تونس التي يتزعّمها راشد الغنوشي، وتكلّلت هذه التحرّكات بإقصاء هذا التنظيم الإخواني عن الحكم، وتم حظر أنشطة هذه الحركة تمهيداً لمحاسبتها على جرائمها المرتكبة في الداخل التونسي، وفي البلدان العربية وخاصة في سورية والعراق.
اليوم يمثل الغنوشي أمام التحقيق في قضية إرسال جهاديين إلى سورية ما يعني أن القضاء التونسي ماضٍ بتحميل هذه الحركة الإخوانية مسؤولية رئيسة في عملية التسفير للإر*ها*بيين التونسيين ، وهذا ثابت في تونس.. فمع صعود الترويكا بقيادة حركة النهضة إلى الحكم بعد انتخابات تشرين الأول 2011 ،أصبح الخطاب السياسي ليّناً بل بات مناسباً لانتشار الجهاديين المستعدين لاستخدام العنف والسلاح في الداخل التونسي والخارج.
وأكّدت النائبة السابقة عن “كتلة الحرة” ليلى الشتاوي وهي من بين الوفد البرلماني الذي زار سورية في صيف 2017، أنه تم تنظيم لقاء مع بعض الإر*ها*بيين التونسيين بالسجون السورية. وأوضحت الشتاوي أنَّ الإر*ها*بيين التونسيين أكّدوا سفرهم إلى سورية سنة 2012 انطلاقاً من مطار قرطاج الدوليّ من دون أيّ صعوبات بل تم استقبالهم على “سجّاد أحمر” حسب قولها. وأضافت حسب تصريحات الإر*ها*بيين المساجين، إنهم حصلوا على جوازات السفر إلى سورية بسرعة فائقة.
وللتذكير فإنّ فترة حصول هؤلاء على جوازات السفر أي سنة 2012 هي فترة حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة بعد فوزها في انتخابات 23 تشرين الأول 2011، حيث كانت وزارة الداخلية يترأسها علي العريض فيما تولى حمادي الجبالي رئاسة الحكومة.
ويشار أيضاً إلى أنّ اغتيال الشهيدين شكري بلعيد (6 شباط 2013) ومحمد البراهمي (25 تموز 2013) تمّ في ظل حكم الترويكا، علماً أن عمليات تسفير الشباب التونسي، تصاعدت وتيرتها في تلك الفترة التي تمّ فيها استقبال العديد من الدعاة التكفيريين بدعوة من الداعية بشير بن حسن الذي ساند المرزوقي في انتخابات 2014 ، وجمعية يرأسها النائب النهضاوي المتشدد الحبيب اللوز، ولعلّ أبرزهم وجدي غنيم الذي بايع تنظيم “داعش” الإر*ها*بي، وكان الضيف المحبب لحزب النهضة الإخواني، وقد التقاه آنذاك عبد الفتاح مورو النائب الأول بمجلس النواب سابقاً،الذي أكدّ لوجدي غنيم في حوار معه تم تسريب جزء منه إلى الإعلام “أنّ تونس ستهتم من هنا وصاعداً بالشباب”، وتمّ في تلك الفترة استقبال مفتي “د*ا*ع*ش” وهو سعوديّ الجنسيّة وقد فتح مدرسة لتدريس الدين وتدريب الشباب التونسي للالتحاق بـ”د*ا*ع*ش”، كما تزامنت الفترة المذكورة مع دعوة الإمام الخطيب ووزير الشؤون الدينية الأسبق نور الدين الخادمي خلال خطبة الجمعة بجامع الفتح، الشباب التونسي إلى الجهاد في سورية.
وكان العجمي الوريمي القيادي في “النهضة ” قد صرّح ردّاً على استدعاء مثل هؤلاء الدعاة الذين كانوا يتعمدون تنظيم اجتماعات في الحمامات أفضل الوجهات السياحية بأنه لا يمكن منعهم من الحضور في تونس لأن ذلك يعد تنازلاً عما سماه ” الديمقراطية” ، (رغم أنهم لا يؤمنون بها أصلاً) ، ورأى أن منعهم هو خطأ كبير، وأنّ للجميع الحق في تبليغ صوته حتى إن كنّا مختلفين عنه، بالرغم من أنّ الدعوة للقتل والتكفير والقول “موتوا بغيظكم” لا تدخل في باب الرأي والاختلاف.
يأتي فتح ملف التسفير في ضوء تراجع حركات الإسلام السياسي، وبعد الفشل الذريع الذي منيتْ به ما يسمى “ثورات الربيع العربي”، التي ركبت موجاتها حركات الإسلام السياسي، ومنها حركة النهضة، فتَحَالفَتْ مع الولايات المتحدة الأمريكية، واسْتُخْدِمَتْ كورقة من القوى الإقليمية والدولية، ولا سيما قطر وتركيا أردوغان، لتنفيذ أجندات إقليمية ودولية تتعلق أساساً بإسقاط الدولة الوطنية في عدد من الدول العربية التي تناهض السياسة الأمريكية والكيان الصهيوني. ومع تراجع حضور جماعات “الإسلام السياسي” إلى الحد الذي باتت تعيش فيه على هامش الأحداث المحلية والإقليمية، حتى إنَّها خرجت من دائرة اهتمام تركيا التي احتضنت حركات الإسلام السياسي بعد لجوئها إلى إسطنبول، لكنَّها وبعد طيِّ صفحة “الربيع العربي” بالكامل بدأت تركيا بمطالبة قيادة حركات الإسلام السياسي على أراضيها إما بالمغادرة أو الامتناع عن مهاجمة الأنظمة السياسية العربية. وتركيا كغيرها من الدول دولة براغماتية، تسعى لمصالحها الوطنية والقومية، وهي بعد ما يقارب عشر سنوات وجدت أنَّ مراهنتها على حركات الإسلام السياسي مراهنة خاسرة، لعدم فاعليتها وانقسام قواها على أنفسها، وتنافسها فيما بينها، فعادت عن مواقفها السابقة وفتحت صفحات جديدة في علاقاتها مع الدول العربية سعياً وراء مصالحها السياسية والاقتصادية، ودشنت صفحة جديدة في علاقاتها مع تلك الأنظمة بعد سنوات من القطيعة وتوتر العلاقات.
وفي ضوء التحولات الجديدة التي شهدتها تونس بعد 25 تموز 2021، والنتائج الدراماتيكية للعشرية السوداء، خاصة على مستوى الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وانتشار الفساد في معظم مؤسسات الدولة ، وتصحر المجال العام في تونس، كل هذه العوامل أدّت بالفعل إلى تراجع الفعل السياسي لحركة النهضة بوصفها حركة فاشلة في إدارة الحكم، وعجزت عن حلّ المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وورطت تونس بسياسة المحاور الإقليمية والدولية، والحال هذه أصبحت الآن تتعرض لضغوط هائلة بسبب فتح ملف التسفير، وربما لاحقاً فتح ملفي الاغتيالات السياسية والجهاز السري، الأمر الذي سيجعل مستقبلها مرتبطاً بالمجهول- المعلوم القادم إلى تونس، ولاسيما إمكانية حلها أو تفككها إلى عدة تنظيمات مهمشة ، وتحويل قادتها بمن فيهم راشد الغنوشي إلى العيش في قطر أو تركيا على غرار المصير الذي لقيه الشيخ عباس مدني، الزعيم السابق لجبهة الإنقاذ الإسلامية المنحلة في الجزائر.
أكاديمي وكاتب عراقي