«صورة الآخر».. كنافذة للمحبة أو للكراهية!!
تشرين- علي الرّاعي:
ترى الدكتورة ماجدة حمود أستاذة النقد العربي الحديث في جامعة دمشق؛ أنّ أزمة النقد في العالم العربي، تعود إلى قلق المُصطلح النقدي، الذي يُعاني اختلاف ترجمته أحياناً بين المشرق العربي ومغربه، وذلك نتيجةً للموروث الثقافي الاستعماري – فرانكوفوني، إنكلوفوني- ولاسيما أنّ كثيراً من المصطلحات مستوردة من الغرب، والذي يُعدُّ منبعاً ثقافياً للمترجم والناقد معاً.. من هنا راحت تُلاحق (صورة الآخر)، في مجالات مُختلفة منها: (صورة الآخر في التراث العربي)، و(صورة الآخر في الرواية الغربية).
صورة الذات والآخر
وفي كتابها الثالث (مُصطلح صورة الآخر ونماذج تطبيقية من الشرق والغرب) الصادر مؤخراً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، فإنها تُبرر دراستها لهذا المُصطلح لكثرة الدراسات التي تستخدم (صورة الآخر)، وزيادة إقبال الباحثين عليه، ولاسيما بعد أن شاع تشويه الآخر ومعتقداته، فباتت الصورة من وسائل الهيمنة عليه كإحدى وسائل الحرب الناعمة.. مع ملاحظة إنّ (العربي) نفسه قد يقوم بتشويه صورته لدى الآخر، وذلك حين يستسلم للجهل، ويصبح فريسة سهلة لأولئك المتلاعبين بالعقول.. ولذلك ترى حمود أنه لن تصلح دراسة صورة الآخر بمعزل عن صورة الذات ونقدها.. هذه الصورة التي تنشأ عن وعي مهما كان صغيراً، بالأنا مُقابل الآخر، وهي تعبير أدبي مُستمد من نظامين ثقافيين، ينتميان إلى مكانين مُختلفين: الأول، هو المكان الذي نشأت فيه الصورة، أي بلد الناظر، أي (الأنا)، والثاني، هو المكان الذي تُقدمه الصورة، ويتم التفاعل معها، أي بلد المنظور إليه، أي المكان الذي نشأ فيه الآخر.. كما تعني كلمة (صورة) في مفهومها العادي تمثيلاً معقولاً للذات أو للآخر، لكن يمكن أن تُقدّم هذه المفردة (صورة شعب) أي كل ما يدور في الذهن حول أمة ما! وبذلك تُعدُّ الصورة تجسيداً لنظرة المؤلف إلى ذاته وإلى الآخر، حيث تُسهم دلالة الصورة، التي ترسمها الذات عن الآخر، في الإيحاء بالتباعد بينهما، فتكون أحد أسباب تأسيس سوء الفهم، الذي يُمكن أن يصل إلى الكراهية والقتل!!
ملامح الصورة
وتستمد الصورة ملامحها –حسب د.حمود- من التاريخ بالمعنى الواقعي والسياسي، كما تُعدّ جزءاً من الخيال الاجتماعي، والسياق الثقافي، أو الأيديولوجي، الذي تقع ضمنه، وبذلك نتعرّف هوية الذات القومية، وكيف كانت نظرتها إلى الآخر! ثم ما دور التعاليم الدينية في تشويه صورة الآخر؟ هل هي مسؤولة عن هذا العداء، أم إنّ المسؤول هو تسييس الدين، أي توظيفه لمآرب دنيوية ومصالح شخصية؟ إذاً تُساعد دراسة الصورة على معرفة الذات والآخر معاً، متى يتعايشان، ومتى يتصارعان؟ وهنا لا بأس من التذكير بمصطلح رائج آخر يكاد يُكافئ مُصطلح (صورة الآخر)، وهو (تمثيلات الآخر)؛ إذ إنّ الصورة الأدبية تُعدُّ نوعاً من التمثيل الذهني، وبذلك تنشغل دراسة الصورة بتلقي النصوص، أي كيف يتمثل المُتلقي ما يقرأ، فترسم مُخيلته صوراً للأمكنة والشخصيات، تتناسب ومستوى وعيه وثقافته.. وتُعد (الصورلوجيا)، أو الصورة الأدبية؛ أحد فروع الأدب المُقارن.. أما مُصطلح الآخر؛ فهو الإنسان المُختلف عن الذات، وقد يكون فرداً أو جماعة..
ثلاثة اتجاهات
كما تُلاحظ د.حمود؛ إنّ مفهوم الصورة، قد تعمّق عبر ثلاثة اتجاهات: الأول؛ تمّ إعطاء الأولوية للصورة من خلال الاهتمام بمنطقها الداخلي، ومن هذا المنطلق أصبح المرجع الواقعي، الذي تُحيل إليه ثانوياً.. أما الثاني؛ فتمّ التعامل مع الصورة في بعدها الواقعي، فتبدو كالمرآة التي تكشف الفضاء الإيديولوجي والثقافي، الذي يعيش فيه الكاتب والمتلقي، وبذلك تعمل على تقديمه.. فيما الثالث؛ فيتم تأمل الصورة في بعديها الجمالي والاجتماعي لأنها تنتمي إلى المُتخيل والواقع معاً.. من هنا فإنّ الصورة البصرية التي يُقدمها الإعلام أكثر تجسيداً وأسرع حضوراً في الوعي، على نقيض الصورة السردية التي يتمثلها الذهن فيعايش أعماقها.. رغم أنّ الأخيرة تبدو أكثر غنى..
صورتا المحبة والكراهية
وقد شهدت دراسة الصورة ازدهاراً هذه الأيام، بسبب رغبة بعض المثقفين في سيادة مناخ من التعايش السلمي، كي يقاوموا لغة العداء التي يشيعها كثير من المتعصبين في الدين والسياسة، وقد لوحظ أن الصورة التي يُقدمها هؤلاء عن الآخر، تُشكّل مصدراً أساسياً من مصادر سوء التفاهم بين الأفراد بكلِّ ثقافاتهم المتنوعة! والمقصود بسوء الفهم؛ تقديم صورة غير موضوعية للذات وللآخر في الوقت نفسه.. لذلك فإنّ أي تشويه في النظرة إلى هذا الآخر، لابدّ أن يعني تشويهاً كامناً في الذات، وذلك بسبب وجود علاقة متوترة معه! وعلى هذا الأساس تستطيع دراسة (صورة الآخر) أن تُبرز أثر العلاقة التاريخية بين الآنا والآخر في رسم ملامح مشوهة لكليهما.. ومن وسائل تلقي صورة الآخر؛ فقد احتلت الصورة المرئية مكاناً بارزاً، والتي باتت خير وسيلة للتعارف بين الشعوب، أو للتنافر، إذ كثيراً ما تُساعد الصورة على تشكيل أفكار ومشاعر مُعادية، أو متفهمة، مثلما تفعل الكتابة تماماً، لكن الصورة المرئية تبدو أكثر خطورة من الصورة السردية، وذلك لسرعة انتشار الأولى التي تتم بكبسة زر..