الباحث الخواجة ودور المسرح في بناء شخصية الطفل
نضال بشارة
لمسرح الطفل أهداف كثيرة من أهمها؛ هدف تعليمي وهدف تربوي، ومعرفي، وهدف اللعب والإمتاع وهدف التشويق والإثارة، وهدف الثقافة والبناء، وهدف الصحة النفسية والفكرية، إلى آخره.
ولذلك سعى المسرحي الدكتور هيثم الخواجة في كتابه الجديد “دور المسرح في بناء شخصية الطفل” الصادر حديثاً عن دار سويد في دمشق، إلى تعزيز المعرفة بمسرح الطفل، فسلط الضوء في فصوله الثلاثة على:
1- القيم في مسرح الأطفال. 2- دور المسرح في تنمية الطفل. 3- معمارية النص المسرحي الموجه للطفل.
وقد تحدث الخواجة في الفصل الأول عن القيم الاجتماعية، والأخلاقية، والجمالية، واللغوية، والسلوكية، والثقافية، والصحية، والابتكارية، والنفسية.
وأشار في البدء إلى أنه على الرغم من أن مسرح الطفل يعزز مجموعة كبيرة من القيم، فإنه لا بدّ من أن ننتبه إلى أن الاشتغال على هذه القيم يجب أن يبتعد عن الخطابية والفجاجة والمباشرة، كما لا بدّ أن ننتبه إلى أهمية المتعة في أي عمل مسرحي، لكونها تثير العاطفة التي تشارك العقل ليس في الانجذاب إلى العرض فقط، وإنما -بالإضافة إلى ذلك- من أجل مناقشة أفكار العرض والإجابة عن أسئلته النابضة. وفي حديثه عن القيمة الأخلاقية رأى المؤلف أنها القيمة التي يتعلم منها الطفل عن طريق اللعب والمتعة معايير خلقية كالصدق، والأمانة، والعدل والتسامح، وضبط النفس والعمل بروح الفريق الواحد. وأشار إلى أنه إذا كان الصراع هو العمود الفقري للمسرحية، فإن هذا الصراع من مفرزاته الرئيسة تكريس القيم وتعزيزها وفي مقدمتها القيمة الأخلاقية. ورأى في حديثه عن القيمة الابتكارية أن المسرح بما أنه يُعدّ إحدى الوسائط الثقافية للطفل باعتباره يثري معلوماته وينمي ثقافته، ويدعم معرفته وخبراته، ويطور حسّه وذوقه الفني، ويبلّور شخصيته، ويثير التساؤلات المهمة لديه، وينمّي حواسه كلها، فإنه يصح القول إن المسرح يلعب دوراً محورياً في الثقافة، وفي ولوجِ بوابات الإبداع والابتكار من خلال ما يراه على الخشبة، وتالياً عبر ما ينشّط خياله وابتكاره للقيام بفعل ما.
وقد رأى المؤلف في فصل “دور المسرح في تنمية الطفل” أن مسرح الطفل يقدم خدمات جليلة للأطفال، فهو يخدم التربية عندما يكرّس القيم الأخلاقية والتربوية، وهو يخدم المجتمع عندما يسهم في بناء الأطفال وتنميتهم بالاتجاه الصحيح، وهو يخدم التعليم والإنسان والمستقبل، و يبلّور الهوية الوطنية، كما يعمّق معرفة الطفل بتاريخه وتراثه، و يجعله قادراً على التمييز بين الخير والشر، ويعلّمه اتخاذ القرار الصحيح تجاه قضايا معقدة ومشكلات عسيرة. فعن طريق المسرح تتعمق معرفة الطفل للحياة، كما يتعلم الإصغاء، وأسلوب الحوار، وحسن الانتباه، وطريقة الوصف والنقاش وتمييز الخير من الشر والجيد من الرديء، والتفريق بين الواقعي والخيالي، وكيفية المزج بينهما.
وفي الفصل الثالث تناول المؤلف “معمارية النص المسرحي الموجّه للطفل” قدم فيه بعض الملاحظات والاقتراحات التي يجب أن تتوافر للنص، فرأى أن يتعرف الطفل إلى تراث الآباء والأجداد، لكن المهم أن يكون الكاتب ذكياً في البحث عن جوهر التراث ويقدم للطفل صورة مشرقة منه يستفيد منها، لكن من دون مغالاة في استخدام التراث، كما لا بدّ أن يكون التوظيف لافتاً عند إبداع النص المسرحي الموجّه للطفل. ورأى أن تكون نهاية النص مفتوحة، مع إن أطفال المرحلة العمرية الأولى يميلون للنهاية المغلقة، كما أشار إلى ضرورة توافر المتعة والإثارة والإدهاش لأنها تمثّل الروح في النص المسرحي الطفلي ولا يمكن التخلي عنها شأنها في ذلك شأن الصراع الذي يعدّ القاعدة التي يبنى عليها النص المسرحي. ثم قدّم إشارات إلى زمن العرض وإلى ضرورة تجنب الحشو والتكرار والطروحات الفجة التي تستهين بذكاء الطفل، وإلى ضرورة تجنب اللغة المعجمية التي تسيء للعرض وتجعل الطفل يبتعد عنه. وضم الفصل الأخير من الكتاب “حوارات ورؤى” مجموعة حوارات أُجريت مع المؤلف من بعض الصحفيين والنقاد، نشرت في غير موقع وصحيفة، بعض أسئلتها تمحورت حول تجربة المؤلف في أدب الأطفال عامة والمسرح خاصة. وتجدر الإشارة إلى أن للخواجة أكثر من مئة كتاب بين مسرحيات وشعر وقصة للأطفال، وبين دراسات وأبحاث جلها في عالم أدب الطفل، والمسرح عامة.