تحولات أوروبية

عبد المنعم علي عيسى

بدأت آثار الصراع الدائر، والمحتدم، في أوكرانيا منذ نحو سبعة أشهر ترخي بظلالها الثقيلة على القارة العجوز التي تبدو في الحسابات الأمريكية، في ظل هذا الصراع، أشبه بكوة “بنك” محصور عملها بالدفع لـ” الزبائن ” لكن في الآن ذاته محظور عليها القيام بالفعل النقيض الذي يعني الاسترداد .

أقر وزراء خارجية الدول الصناعية السبع في اجتماعهم 2 أيلول الجاري مشروع دراسة تقضي بـ”وضع حد، أو سقف، لسعر النفط الروسي” في السوق العالمية، والفكرة – الدراسة لا تزال قائمة وفقاً للتصريحات التي أطلقها العديد من المسؤولين الأوروبيين مؤخراً، في الوقت الذي خرجت فيه آراء عدة لمحللين نفطيين واقتصاديين وهي تشير إلى ” عبثية ” الفكرة سواء لجهة إمكان تطبيقها في ظل عدم وجود توافق عليها في سوقين رئيسين للنفط الروسي هما الصين والهند، وكذا في ظل تحفظات لأعضاء في ” منظمة أوبك ” عليها، أم لجهة الجدوى المرجوة منها، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن فعلاً من هذا النوع، فيما لو نجح تطبيقه، قد يؤدي إلى ارتفاع جديد في أسعار النفط العالمية .

في لحظ النتائج الأولية المترتبة على أطراف الصراع تبدو القارة الأوروبية أكثر أولئك تضرراً، فيما كم الأضرار يبدي استعداداً لمراكمة المزيد منه في الجعاب الأوروبية، ومن المؤكد الآن أن الولايات المتحدة تريد لمعركة النفط والغاز، المستعرة راهناً، أن يزداد أوّارها، قياساً باعتبارات عدة أبرزها أن تلك المعركة ستفضي إلى وقوع أوروبا كلها في السلة الأمريكية تماماً على طريقة سقوط “تفاحة نيوتن”، وإذا ما كانت التداعيات الكبرى داخل القارة قد حافظت على إطارها السياسي – الاقتصادي حتى الآن، فإن العديد من المؤشرات التي راحت ملامحها تتبلور في غضون الأيام القليلة الماضية تشي بأن هذي الأخيرة سوف تخلي مواقعها لصالح نظيرة مجتمعية في مؤشر على العمق الذي وصلت إليه تلك التداعيات .

في أواخر شهر آب المنصرم خرجت تظاهرات عدة تدعو لوقف التدخل الأوروبي في الصراع الأوكراني، ثم سرعان ما انتقلت عدواها إلى ألمانيا التي خرج عشرات الآلاف فيها مطالبين بخروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي، ومطالبين أيضاً برفع العقوبات التي يفرضها الغرب على روسيا، في الوقت الذي وجه فيه رئيس ” الحزب الديمقراطي المسيحي ” المعارض اتهاماً للمستشار أولاف شولتز بانتهاج “سياسات خاطئة” حيال الصراع الدائر في أوكرانيا، واصفاً الأخير بأنه يعمل على “تقويض الاقتصاد الألماني لحساب الآخرين “، وفي الأسبوع الماضي كانت حكومات الدانمارك و فنلندا والسويد ترسل تحذيراً للنرويج على خلفية إعلانها عن أنها تدرس مقترحاً يقضي بوقف تصدير الكهرباء للثالوث سابق الذكر، وكان البيان الذي أصدرته حكومات تلك البلدان قد وصف الفعل بأنه قد يؤدي إلى ” تقويض السوق الأوروبية “، وفي يوم 9 من الشهر الجاري ظهر متظاهرون في مدينة بيروجيا الإيطالية وهم يحرقون فواتير الطاقة الخاصة بهم، قائلين إن الدعم الحكومي لا يفي بالغرض وأنه لا يحل أكثر من 15 % من المشكلة، في الوقت الذي أشارت فيه تقارير إعلامية إيطالية الى أن 120 ألف شركة في البلاد باتت مهددة بالإغلاق في نهاية هذا العام إذا ما استمر الخط البياني لأسعار الطاقة برسم خطه التصاعدي الذي يسير فيه .

أزمة الطاقة في أوروبا بدأت الآن ترسم ملامح تحولات مجتمعية ستقود بالضرورة، من دون أن يعرف الوقت اللازم لتبلورها الذي سيكون مرتبطاً بتواتر الأزمة و حدّتها، نحو نظيرة لها سياسية، بل و ثقافية أيضاً، بمعنى أنها ستدفع بأنظمة الحكم القائمة نحو رسم سياسات جديدة تكون من النوع الذي يمكنها من الاستمرار في سدة السلطة الأمر الذي يتحقق في حال استمالة الشارع، والرضوخ لمطالبه، التي راحت تتبلور شيئاً فشيئاً باتجاه اتخاذ موقف حيادي من الأزمة الأوكرانية، وباتجاه اعتبار الجار الروسي صديقاً، أو أنه على الأقل ليس عدواً .

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار