قمعها في مهدها
في الأمس القريب كانت فاجعة انهيار مبنى في حلب خلّف ضحايا من الأطفال وكبار السن والنساء, لا ذنب لهم سوى أنهم حققوا حلمهم المتواضع بامتلاك منزل في العشوائيات ومناطق المخالفات حسبما تتيحه لهم إمكاناتهم المادية, منزل يؤويهم ويقيهم برد الشتاء وحرَّ الصيف .
ليست المرة الأولى التي تحصل بها حوادث مفجعة ومؤسفة كهذه بل تكرر ذلك مراراً في مناطق ومحافظات أخرى من التجمعات العشوائية, بينما على المقلب الآخر لا تزال المخالفات تشيّد في وضح النهار وعلى مرأى ومسمع الجهات المعنية , وإن كانت أحياناً تنظم المخالفات لمرتكبي بعضها, إلّا أن ذلك لم يمنعهم من الاستمرار في توجههم الذي تجمعهم به قواسم مشتركة وهي الجشع والنهم لامتلاك المال بما يتيسر لهم من الطرق مهما كانت النتائج والعواقب, على حساب مواطن ضاقت به السبل ولم يجد ملاذاً له ولأسرته إلّا أن يغامر في دفع ما جناه لامتلاك بضعة جدران أنشئت على عجل ومن دون أسس هندسية صحيحة, ما يجعلها عرضة للانهيار ويجعل ساكنيها و المارين في الشارع عرضة للموت في لحظة غفلة قد لا تكون في الحسبان .
ليس خافياً أن بعض الأبنية انهارت نتيجة تعرضها سابقاً لأعمال إره*ابي*ة وتصدع جدرانها, لكن لا يمكن نكران أن بعض المخالفات التي تشيد هنا وهناك كانت وستكون سبباً مباشراً أيضاً في إزهاق أرواح أبرياء لا ذنب لهم إلّا أنهم اتخذوها مأوى لهم.
ما ذكر يضعنا أمام تساؤلات مشروعة لمن يفترض أنهم جهات رقابية على أعمال كهذه وعليهم قمعها: ترى هل علينا أن ننتظر وقوع الكارثة ثم نبدأ بالمحاسبة والتمحيص في الأسباب ؟ ألا يفترض قمع المخالفات وعدم السماح بتشييدها أساساً كائناً من كان مرتكبها، أم إن المحسوبيات والعلاقات الشخصية ربما تكون لها الكلمة الفصل هنا، وتجعل من يقع عليه عاتق المحاسبة يغض الطرف عنها؟ أليست أرواح الناس أمانة يجب الحفاظ عليها؟ إذ لا يخفى على أحد أنه حين تكثر المخالفات تكون النتائج هكذا .
من هنا لابدّ من تكثيف الرقابة من قبل البلديات وعدم التهاون و”التطنيش ” لحظة إنشاء أي مخالفة بل هدمها في مهدها ليكون ذلك رادعاً لمن يريد الإقدام على إنشائها, كما لابدّ في حال انهيار أي مبنى من محاسبة الجهة التي غضت الطرف – ربما لمصالح معينة- مثلما تتم محاسبة مشيديه الذين أعمى بصيرتهم المال، وكفانا الله شر من لا يشبعون ! .