ثائر زين الدين ومختاراته لاثنين وأربعين شاعراً روسيّاً
راوية زاهر
“مختارات من الشعر الروسي”؛ نصوص شعرية اختارها وترجمها الشاعر والمترجم السوري ثائر زين الدين، الصّادرة عن الهيئة العامة السورية للكتاب ٢٠٢٢م.
على مهلٍ كما عبّر المترجم زين الدين لملم هذه المختارات الشعرية لاثنين وأربعين شاعراً روسيّاً، منهم: سوفيتيون وداغستانيون وأوكرانيون، ومن أزمنة روسية مختلفة، تتنوّع ميولهم، وأعمالهم، فمنهم الكتاب والنقاد والأطباء والمسرحيون، وعلماء نفس، وجنود، ومهندسون، والكثيرون منهم قد حاز على جائزة نوبل للآداب، ومنهم أصوات جميلة ومهمة رغم أنها مغمورة وبعيدة عن الأضواء.. وأهم ما يُميّز هذه المجموعة المُختارة؛ أنها تُعرّفنا إلى هؤلاء المبدعين وتترجم لنا شيئاً من حياتهم وإنجازاتهم، أضف لشرح الكثير من الوقفات التاريخية والسياسية المرتبطة بهؤلاء المبدعين، كما يُعدّ الكتاب وثيقة تاريخية لكثير من التفاصيل الغائبة عن أذهان الكثيرين فيما يخص الأدب الروسي والاتحاد السوفياتي السابق، والمرتبطة بزمن القياصرة، وما جرّته أحكامهم على المبدعين في تلك الحقب من سجن ومنافٍ وإعدامات.
بوشكين البداية
كانت بداية المجموعة المُختارة مع شاعر روسيا (بوشكين) الذي عدّه معظم نقاد الأدب الروسي الشاعر الأهم والأكبر في تاريخ الشعر الروسي، ومؤسس الأدب الروسي الحديث، الذي أوصل لنا المترجم زين الدين نصّاً مترعاً بالوصف وهو بعنوان” المعتقل”:
“أجلسُ في زنزانتي الرطبة خلف القضبان،
والنسر الفتيُّ رفيقي الحزين
ينهش تحتَ الكوّة في أسره وجبته المدماة،
ملوّحاً بجناحيه.”
ومروراً بـ “بلوك” شاعر الرمزية الرّوسية والصّوفية الأوّل، الذي يعيش مع الطبيعة ولهاً وفي تماهٍ تام،
“ليلٌ، شارعٌ، مصباحٌ، صيدلية.
ضوء موحش لا معنى له
عش أيضاً ربع قرن
– ما من شيءٍ سيتغير – لانهاية!
تموت.. تبدأ ثانية من البداية”
ووقوفاً عند “فاليري بريوسوف”، المُبشّر بالرّمزية في الشعر الروسي، وصاحب الشعر الذهني، الذي يتطلبُ التعامل معه جهداً فكريّاً وثقافة موسوعية، وقد لوحظ ميله إلى الأسطورة الإغريقية، وكذلك أساطير المشرق، سواء صارغون وصيدون و كيلوباترا.
وهذه مختارات من قصيدة كيلوباترا :
“أنا كيلوباترا، أنا من كنت ملكة،
لقد حكمتُ مصر ثماني عشرة سنة.
انتهت روما الخالدة، وزالت سلالات الفراعنة،
لم تحفظ جثماني البائس مقبرة،
وأثري في حياة العالم أقلُّ مما يذكر،.”
محطة أخماتوفا
وأمام هذا الحشد الهائل من المبدعين لا يمكننا المرور من دون التوقف عند الشاعرة المبدعة والجميلة “آنا أخماتوفا”، شاعرة الحبّ أولاً، شاعرة القلب الإنسانيّ الكبير الطّافح بالمشاعر الإنسانية النبيلة، وشاعرة الكثافة والعمق، ومع نصوص مترفة بالشاعرية والجمال والوصف الباذخ، ومن جميل ما قالت:
“كم كان ممتعاً الجلوس إلى الموقد
بعد الرّيح والصّقيع..
هناك – حيث كنتُ-لم أتمكن من الانتباه لقلبي
لهذا، فقد سرقوه مني.”
الغرانيق البيض
أمّا الشاعر والكاتب الرّوسي الدّاغستاني ذائع الصّيت”رسول حمزاتوف” فنتوقف قليلاً مع قصيدته (الغرانيق):
“يتراءى لي في بعض الأحيان، أن أولئك الجنود
الذين سقطوا مضرّجين بدمائهم
لم يدفنوا في هذه الأرض يوماً ما؛
بل تحوّلوا إلى غرانيق بيض.”
ونختم كما ختم المترجم هذه الأيقونة الشعرية المميزة مع الشاعرة “آلّا دانيلينكو” و الحائزة على الدكتوراه في العلوم النّفسيّة، وهذه القصيدة البديعة:
“أنتَ أيّها الإلهام!
فجر الميلاد. المنبع الأوّل.
تنفّس السّطور الطائرة العذبُ
مثل أنغام القيثارة الملهمة –
يسكرُ بها الأثيرُ الأبكمُ.
أنت اللّب – فيه الجوهر والمعنى.
الفكر ممتلئ بك اليوم.”