إيران على أعتاب دور عالمي
عبد المنعم عيسى:
لا تشير التقارير الغربية الصادرة من هنا وهناك ، والتي تعرض لآخر التطورات المتعلقة بالملف النووي الإيراني، وفيها تذهب تلك التقارير ، نحو رصد آخر المستجدات حول المفاوضات التي تجريها طهران مع الغرب لإعادة إحياء اتفاق فيينا 2015 الذي ألغاه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب شهر أيار من العام 2018 ، والبعض منها يستطرد بتعداد النقاط الخلافية التي يصفها بـ ” الجوهرية ” ، ثم يضيف أن هذي الأخيرة هي التي تحول حتى الآن دون العودة إلى ذلك الاتفاق ، نقول: لا ترصد التقارير سابقة الذكر طبيعة النظرة الدولية راهناً لطهران ، ولا دورها الذي تضطلع به ، والذي ما انفك يتنامى يوماً بعد يوم بالرغم من محاولات واشنطن- تل أبيب الرامية لوضع عصيها بين أخشاب العجلة الإيرانية .
أواخر شهر آب المنصرم أعلنت موسكو عن قرار يقضي بوقف تدفق الغاز في خط ” السيل الشمالي ” لمدة مؤقتة حددتها بثلاثة أيام ، قبيل أن تعلن في الثالث من الشهر الجاري عن أن الفعل سوف يستمر لأجل غير محدد ، بعد قرار مجموعة ” الدول السبع ” الذي تضمن الإعلان عن ” فرض سقف منخفض لأسعار النفط الروسي بعد وقت قريب ” ، والفعل، أي وقف تدفق الغاز في خط السيل الشمالي لأمد غير محدد ، من شأنه أن يرفع مناسيب القلق الأوروبي المرتفعة أصلاً بالكثير من العوامل التي تبدو آخذة بالتنامي والازدياد على وقع الصراع الدائر في أوكرانيا والتحولات التي يشهدها ذلك الصراع .
دخلت إيران على خط الوساطة ما بين روسيا و ” الحلف الأطلسي ” بطلب من ” أحد أهم الزعماء الأوروبيين ” كما ذكرت وكالة ” رويترز ” التي نقلت الخبر لكن من دون أن تسمي ذلك الزعيم ، الذي يرجح أن يكون المستشار الألماني أولاف شولتز ، ويتابع الخبر بأن المهمة أنيطت بوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الذي كلفته القيادة الإيرانية بنقل رسالة عاجلة للقيادة الروسية .
هنا، يمكن القول إن الوساطة الإيرانية ما بين روسيا و” الأطلسي” مؤشر هام يحمل دلالات عدة ، لعلّ أبرزها المصداقية التي تمثلتها الدبلوماسية الإيرانية في العديد من الملفات بعيداً عن التهويل الإعلامي الذي يمارسه الغرب كورقة ضغط على طهران لا تخفى مراميها، وهذه المصداقية هي التي منحت الثقة لتلك الدبلوماسية للعب دور يضعها على أعتاب العالمية، ومن المؤكد أن النجاح فيها قد يدفع للعب دور أكبر يصل لإمكان أن تلعب طهران دور الوساطة في إيقاف الحرب الأوكرانية التي تمثل التحدي الأكبر للمجتمع الدولي منذ وضع الحرب العالمية أوزارها صيف العام 1945 ، وما يدفعنا للقول بتلك الفرضية معطيان اثنان، أولهما أن موسكو كانت قد أبدت انفتاحاً على الوساطة الإيرانية ما يضع طهران في موضع المهيئ، روسيا ، للقيام بها ، ثم أن جلّ الدول الأوروبية ” الناتووية ” تجد نفسها في وضع مرشح لأن تزداد صعوباته على وقع النقص الحاصل في إمدادات الغاز والنفط الروسيين، مع تسجيل إشارة هامة في هذا السياق هي أن دول الاتحاد الأوروبي كلها لم تكن راضية عن إلغاء الاتفاق النووي الإيراني أيار 2018 ، وهي ظلت متمسكة به ، بل وتبدي تفهماً للموقف الإيراني المحوط بالكثير من الهواجس .
طهران اليوم ، وبعيداً عن تقارير الغرب و تهويلاته الإعلامية، تقف على أعتاب دور يضعها على أبواب العالمية، وهي إذ تقبل عليه تعتد بثقل حضاري مسنود بنظير له حققته في ميادين عدة مثل التكنولوجيا والعلوم، التي تشير تقارير عالمية إلى أن طهران تحمل الرقم 17 من بين الدول الأكثر تقدماً فيهما ، والأهم هو أن السياسات الإيرانية تبدو متناغمة مع كل ما سبق ما يؤهلها للعب دور محوري كبير .