أتعبتهم الحرب على روسيا.. فهل يفكرون في السلام ؟
ميشيل كلاغاصي:
أخطأت واشنطن بعدم مصارحة حلفائها الأوروبيين والرئيس الأوكراني , بأنها تطمع من خلال حرب أوكرانيا بإضعاف روسيا, وتحييدها عن المواجهة الكبرى مع الصين, وإقحامهم في كافة صراعاتها حول العالم.
السفير الروسي في واشنطن أناتولي أنتونوف أكد أن “تصرفات الدول الغربية خلال العملية الخاصة لروسيا في أوكرانيا خطيرة واستفزازية ، وقد تؤدي مثل هذه الخطوات إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين روسيا والولايات المتحدة”.
بعد أكثر من 100 عام على الحرب العالمية الأولى، ما زال القادة الأوروبيون يسيرون كالنيام نحو حرب شاملة جديدة , ففي العام 1914 اعتقدت الحكومات الأوروبية أن الحرب ستستمر ثلاثة أسابيع فقط , لكنها استمرت أربع سنوات وأودت بحياة أكثر من 20 مليون إنسان, واليوم يظهرون اللامبالاة ذاتها, ويندفعون وراء تحطيم وإذلال روسيا والرئيس بوتين المنتصرين بلا شك, غافلين عن الأصوات التي سبق أن طالبت قبل 100 عام بعدم إذلال ألمانيا وهي القوة المهزومة في الحرب, وبأن ذلك سيشكل كارثةً حقيقية , وما هي سوى 21 عاماً حتى عادت الدول الأوروبية إلى الحرب العالمية, وخلال ست سنوات أودت بحياة 70 مليون إنسان, إذاً التاريخ يكرر نفسه, لكن القادة لا يتعلمون.
فقد قدمت الـ 100 عام ما قبل الحرب العالمية الأولى سنوات للحرب وسنوات للسلام , وإذا كان هناك من فضل, فيعود إلى مؤتمر فيينا 1814- 1815 ، الذي جمع المنتصرين والمهزومين في حروب نابليون, في محاولةٍ لخلق سلام دائم , وسط قناعة الجميع بأن فرنسا نالت نصيبها من أفعالها بخسائر فادحة, وهذا ما دفعها نحو توقيع معاهدة فيينا مع النمسا وإنكلترا وبروسيا وروسيا لتضمن السلام بكرامة.
ومن خلال مقارنةٍ بسيطة, يمكننا ملاحظة أن حروب نابليون اندلعت بين القوى الأوروبية، في حين حرب اليوم تقع ما بين روسيا– والدول الأوروبية والناتو الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية, على أرض أوكرانيا, من أجل تحقيق أهداف جيو-استراتيجية تتجاوز أوكرانيا والأوروبيين المشاركين في الحرب بالوكالة الأمريكية.
في الوقت الذي يدعي فيه الناتو, أن هدفه إلحاق هزيمة غير مشروطة بروسيا، ويتمنى أن تؤدي الحرب إلى تغيير النظام في موسكو, وسط إصرارٍ أوروبي, وتصريحاتٍ شبه يومية تؤكد استمرار العقوبات على روسيا, وسط تصريحاتٍ تركية بأن: “عودة العلاقات الطبيعية مع موسكو ستستغرق عقوداً طويلة” , في هذا الوقتٍ تستمر فيه الاستفزازات الأمريكية والأوروبية, وترتفع معه التهديدات خصوصاً ما يتعلق بمحطة زابوروجيا النووية, التي وصفها وزير الدفاع الروسي بـ “الإ*ه*اب النووي” , فأي أمل يقدمونه للدولة الروسية كي تنهي عمليتها العسكرية, خصوصاً أن تتقدم كما خططت وأرادت, وتستطيع من خلالها إلحاق الضرر بأعدائها, على مبدأ الرد بالمثل.
أخطأت واشنطن بعدم مصارحة حلفائها والرئيس الأوكراني, بأنها تطمع من خلال حرب أوكرانيا بإضعاف روسيا, وتحييدها عن المواجهة الكبرى مع الصين.
أما آن الأوان للرئيس الأوكراني أن يدرك أن تحريض وتسليح واشنطن والناتو, أديا إلى تدمير قوة بلاده العسكرية, وتهجير مواطنيه, وإصابة الاقتصاد الأوكراني في الصميم, ناهيك بالملامح الواضحة للمشروع الأطلسي– الأمريكي بتقسيم أوكرانيا, أما زال مستمتعاً بدور البطولة, ومن سيساويه بهتلر أو نابليون, أخشى أن يساويه التاريخ بـ شارلي تشابلن, مع فارق أن الأول قدم لشعبه الألم والدمار, فيما رسم الثاني الفرحة والابتسامة على وجوه الناس.
ما الذي يدفعه للاستمرار في حربٍ غير متكافئة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً, أليس من واجبه جلب السلام لشعبه, فهل يكون ذلك بخطابات أمام الكونغرس الأمريكي, والاتحاد الأوروبي, وبعبارات استفزازية لروسيا وقيادتها, وبطلب تزويده بالمزيد من السلاح ؟ هل فكّر في الحصول على دعم العالم الحر العاقل الحكيم لإنجاح مفاوضات السلام , أم يكتفي باستنساخ مواقف الخارجية الأمريكية !.
لا بدّ للرئيس الأوكراني والقادة الأوروبيين, من إجراء مراجعة فورية لمواقفهم النابعة من خلال الرؤية الأمريكية لعالمٍ ترفض التخلي عن هيمنتها وسيطرتها عليه, غير آبهةٍ بدولهم ومصالح شعوبهم , ويخوضون عنها ومعها معركةً فاشلة, تمر عبر كل صراعاتها حول العالم, بما فيها الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط , والتمرد التايواني على مبدأ الصين الواحدة , ومفاوضات الملف النووي الإيراني, الذي تبدو فيه الدول الأوروبية “يائسة” وتتمنى نجاح العودة إلى الاتفاق – بحسب تصريحات محمد مرندي كبير مستشاري الوفد الإيراني المفاوض في فيينا, وجميعها معارك ستنتهي على غرار الهزائم الأمريكية في أفغانستان وكوبا وفنزويلا وإيران وسورية ولبنان والعراق واليمن وغير مكان.