كل الأزمات التي مّر بها اقتصادنا الوطني خلال العقود الماضية وآخرها الأزمة الحالية والحرب الكونية والحصار الظالم تثبت بالدليل القاطع أن القطاع الصناعي هو الحامل الأساس لهذا الاقتصاد, وكل الحلول مبنية عليه, فإن كان سليماً قوياً معافى, وقف الاقتصاد على أرض متينة, وإذا كان العكس فيشهد هزات أرضية باستمرار, يتراجع معها كل حلم بحياة أفضل, واقتصاد بقواعد متينة, وتكاملية اقتصادية تبقى مجرد أفكار في المخيلة, وما يحدث اليوم من أزمات وخضات متلاحقة خير دليل ومثال..!
فالاقتصاد يعيش حالة تخبط قوية, جوهرها المكون الصناعي وعدم قدرته على مجاراة ما يحدث لكثير من الأسباب هي ليست وليدة الساعة, أو حتى سنوات الأزمة, بل تعود لحالات ترهل سابقة لم تستطع فيها الحكومات المتعاقبة ردم الفجوة بين واقعها الفعلي و ما هو مطلوب من صناعتنا، لتتماشى مع كل ما هو جديد في عالم الصناعة والتصنيع، لتأمين حاجة أسواقنا المحلية, والاستغناء عن الحاجة للأسواق الخارجية والوقوع تحت رحمة أصحابها لتنفيذ أجندات بعيدة كل البعد عن هويتنا الوطنية ..!
اليوم ببساطة ما تعيشه صناعتنا من مشكلات عميقة تتحمل المسؤولية فيها الحكومات المتعاقبة, ولا نستثني فيها حكومة, فالواقع يدلل على ذلك, وحصاد المرّ فيها, خيبات الأمل في المعالجة وتوفير أسبابها ومقوماتها..!
وبالتالي من قلب الواقع نستشهد بعدم إعطاء القطاع الصناعي الرعاية المطلوبة، وخاصة لجهة المكون البحثي العلمي والتطور التكنولوجي, والعمالة المؤهلة, والخبرات الكفوءة، القادرة على التعامل مع التكنولوجيا الحديثة بكل أبعادها ومحتوياتها وخاصة المرتبطة بالمكون الصناعي ..
وبالتالي ما يحدث اليوم من أزمات وفقدان للسلع والمنتجات يدفعنا لإعادة النظر بالبنية الصناعية الوطنية ببعديها العام والخاص ووضع استراتيجية واضحة وصريحة تقوم على المطلوب, لا نحابي فيها أحداً , ولا نأخذ اعتبارات لمكونات تقول إنها متضررة وتفتح باب الاستيراد على مصراعيه بحجة تأمين الأسواق, وهذه الاستراتيجية تأخذ بأسباب المعالجة لمشكلات أقل ما نسميها أصبحت مستعصية, إلى جانب العمل على تعميق إجراءات الإصلاح وتحقيق استقلالية متكاملة للقطاع الصناعي, تتخللها زيادة في الإنتاجية, وانتقاء الإدارات وفق معايير علمية, ومعالجة سريعة للتشابكات المالية, وتوفير رأس مال كافٍ لإدارة العملية الإنتاجية والاستثمارية, من دون أن ننسى حسابات التكلفة ومقاربتها مع الواقع الفعلي وتجاوز مشكلة الملاكات العددية، ونقص العمالة على خطوط الإنتاج، والتي أصبحت شبه (خاوية) بفعل الأزمة وهروبها إلى خارج البلد, وغير ذلك من مقومات تسمح بعودة الألق إلى صناعتنا الوطنية التي نفتخر بها, وبغير ذلك ستبقى حبيسة مشكلاتها وضعف إداراتها والمخططين لتطويرها..!
سامي عيسى
165 المشاركات